أحكام الخلع في الفقه والقانون

نشر بتاريخ : 2019-10-23


الخلع لغة :

جاء بمختار الصحاح (خلع) ثوبه ونعله وخلع عليه (خلعه) كله من باب قطع.

وخلع امرأته (خلعاً) بالضم و (خلع) الوالي غزل.

و(خالعت) المرأة بعلها أرادته على طلاقها ببدل منها له.

وجاء بالمعجم الوجيز:

(خلع) الشيء خلعاً: نزعه.

(تخالع الزوجان) اتفقا على الطلاق بفدية.

معنى الخلع شرعاً:

الخلع بضم الخاء وسكون اللام في اصطلاح الفقهاء هو إزالة ملك النكاح الصحيح بلفظ الخلع أو بما في معناه كالإبراء والافتداء في مقابل بدل.

الخلع في القانون المصري:

وقد نصت المادة 20 من القانون 1 لسنة 2000 الصادر في شأن تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية على أن:

للزوجين أن يتراضيا فيما بينهما على الخلع ، فان لم يتراضيا عليه وأقامت الزوجة دعواها بطلبه وافتدت نفسها وخالعت زوجها بالتنازل عن جميع حقوقها المالية الشرعية وردت عليه الصداق الذي دفعه لها حكمت المحكمة بتطليقها عليه.

ولا تحكم المحكمة بالتطليق للخلع إلا بعد محاولة الإصلاح بين الزوجين، وندبها لحكمين لموالاة مساعى الصلح بينهما خلال مدة لا تجاوز ثلاثة أشهر، وعلى الوجه المبين بالفقرة الثانية من المادة 18 والفقرتين الأولى والثانية من المادة 19 من هذا القانون، وبعد أن تقرر الزوجة صراحة أنها تبغض الحياة الزوجية بينهما وتخشى ألا تقيم حدود الله بسبب هذا البغض.

ولا يصح ان يكون مقابل الخلع إسقاط حضانة الصغار أو أي حق من حقوقهم.

ويقع بالخلع فى جميع الأحوال طلاق بائن.

ويكون الحكم- فى جميع الأحوال- غير قابل للطعن عليه بأى طريق من طرق الطعن.

 

وقد أوردت المذكرة الإيضاحية للقانون تعليقاً على هذا النص ما يلي:

دليل مشروعية الخلع مصدران :

أولهما : القرآن الكريم حيث ورد في سورة البقرة {{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }} أي فلا جناح ولا إثم علي الرجل فيما أخذ ، ولا علي المرأة فيما أعطت.

 وثاني المصدرين هو السنة النبوية الشريفة الثابتة وهو ما رواه البخاري والنسائي عن ابن عباس من أن جميلة بنت عبد الله بن أبي - امرأة ثابت بن قيس ، وكانت تبغضه وهو يحبها أتت رسول الله صلي الله عليه وسلم قالت يا رسول الله ثابت بن قيس ما اعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام ما أطيقه بغضاً، أي تخشي أن لا تؤدي حقوق الزوجية لبغضها إياه ونفورها منه - وكان قد أصدقها حديقة ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أتردين عليه حديقته ؟ فقالت نعم وزيادة ، فقال لها أما الزيادة فلا، وقال لثابت : إقبل الحديقة وطلقها تطليقة، فأختلعت فيه بمهرها فقط.

وهكذا يقر الإسلام نظام الخلع اتساقاً مع مبادئه الكلية العادلة التي ترتكز علي دفع الحرج وإزالة الضرر.

وبالرغم من أن هذا النظام الذي تقرره الشريعة الإسلامية، قد ورد ذكره في لائحة ترتيب المحاكم الشرعية في موضعين، هما المادتان 6، 24 إلا أنه لم يقتن في تنظيم تشريعي يبين كيفية تطبيقه، حتى رأي المشروع تقنينه، لأنه يؤدي إلى تطليق يسترد به الزوج ما دفعه، ويرفع عن كاهله عبء أداء أي من الحقوق المالية الشرعية للزوجة من بعد ذلك، فيزول عنه بذلك أي ضرر، مما جعل إمساكه للزوجة بعد أن تقرر مخالعته إضراراً خالصاً بها والقاعدة الشرعية أنه "لا ضرر ولا ضرار" ، كما يعفي الزوجة إن ضاق بها الحال من إشاعة أسرار حياتها الزوجية، وقد يحول الحياء بينها وبين أن تفعل، وقد تكون قادرة على أن تفعل ولكنها تأبى، لأنها تري في هذه الأسرار ما يؤذي أولادها في أبيهم، وخاصة حين يسجل ما تبوح به في أحكام قضائية.

وكل ذلك مع تقرير الأصل الشرعي في الخلع وهو التراضي عليه بين الزوجين وإلا حكم به القاضي بعد محاولة الصلح بين الزوجين طبقاً لأحكام المادة 18 من هذا القانون بحسبان أن الحكم بالخلع نوع من الطلاق، بعد إقرار الزوجة صراحة انها تبغض الحياة مع زوجها وأنه لا سبيل لاستمرار الحياة الزوجية بينهما وتخشى ألا تقيم حدود الله بسبب هذا البغض.

وذلك هو ظاهر الآية الكريمة {{  وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ }}

واستطردت المذكرة الإيضاحية بقولها: "وتنازل الزوجة للخلع يكون عن جميع حقوقها المالية الشرعية، وتشمل مؤخر صداقها ونفقة العدة والمتعة، ولكن التنازل لا يشمل حقوق صغارها من حضانة أو نفقة أو رؤية أو غيرها لأنها ليست حقوقاً خاصة بها تملك التنازل عنها فإن اشترط للخلع إسقاط شئ من هذه الحقوق صح الخلع وبطل الشرط أما ما تدفعه لزوجها فهو مقدم الصداق الذي دفعه لها، وهو المقدم الذي يثبت في عقد الزواج ، فإن كان ما ورد في عقد الزواج غير - مسمى ، وتنازع الطرفان في قدره طبقت المحكمة حكم المادة 19 من القانون رقم 25 رقم ۱۹۲۹ لبيان مقدار مقدم الصداق الذي تلزم الزوجة برده إلى زوجها وإذا كان عاجل الصداق مسمى في العقد ولكن الزوج أدعي أنه دفع أكثر منه قضت المحكمة بالخلع برد الزوجة القدر المسمى ، وانفتح الطريق للزوج أن يطالب بما يدعيه بدعوى مستقلة أمام المحكمة المختصة ، ولا يجوز للمحكمة أن تحكم بالتطليق إلا بعد أن تبذل جهدها في محاولة الصلح بين الزوجين وأن تتكرر هذه المحاولة مرتين إن كان لهما ولد، فإن عجزت عن الصلح حكمت بتطليق الزوجة من زوجها طلقة بائنة، والطلقة هنا تقع بائنة بينونة صغرى إذا لم تكن مكملة للثلاث، فلا يجوز الرجعة إلا بعقد ومهر جديدين ، أما إن كانت مكملة للثلاث فتكون بائنة بينونة كبرى، ولا يجوز أن يتزوجها مطلقها بعقد ومهر جديدين، إلا بعد أن تكون قد تزوجت من غيره زواجاً صحيحاً ثم انقضي هذا الزواج بالطلاق أو الوفاة".

وأضافت المذكرة الإيضاحية أنه: "وكان من المنطقي وقد قام الخلع، أن لا يقضي به إلا بعد أن تبذل المحكمة غاية جهدها في الصلح بين الزوجين فلا توفق في إتمامه ، ثم يكون رد الزوجة لمقدم الصداق الذي دفعه لها زوجها ، وتنازلها عن باقي حقوقها الشرعية ، ثم من بعد ذلك أن تقر ببغضها الحياة معه وخشيتها ألا تقيم حدود الله ، كان من المنطقي بعد ذلك كله أن يكون الحكم الصادر بالتطليق غير قابل للطعن عليه بأي طريق من طرق الطعن ، لأن فتح باب الطعن في هذه الحالة لا يفيد إلا في تمكين من يريد الكيد لزوجته من إبقائها معلقة أثناء مراحل التقاضي التالية لسنوات طويلة دون ما مسئولية عليه حيالها، وبعد أن رفع عنه أي عبء مالي كأثر لتطليقها، وهذا التقدير في قصر التقاضي في هذه الحالة على درجة واحدة ، يستند إلي ما استقر عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا من أن قصر التقاضي علي درجة واحدة هو ما يستقل به المشرع ويرد النص به موافقاً لأحكام الدستور ( قضية رقم ۱۰۲ سنة 12 ق جلسة 19 / 6 / 93 ) لأن الأمر في ذلك يختلف كل الاختلاف عن منع اللجوء أصلاً إلى المحكمة وهو ما يرد مخالفة للدستور إن نص عليه قانون ما".

وأخيراً أضافت المذكرة الإيضاحية في تعليقها على هذا النص ما يلي: "ومن البديهي أنه قد تكون بين الزوجين معاملات مالية يحق معها للزوجين مطالبة كل منهما للآخر بها، وهي حقوق تخضع بعد الخلع للقواعد العامة في أحقيتهما اللجوء إلى القضاء للمطالبة بها . ولعل في تنظيم الخلع وآثاره علي الوجه المتقدم ما يؤدي إلى التخفيف عن الأسرة المضطربه والزوجة الحائرة ويعجل بالفصل في كثير من دعاوی الطلاق".

وقد تعرضت محكمة النقض المصرية للخلع في بعض أحكامها (باعتباره من المسائل التي لا يجوز الطعن في الحكم الصادر فيها بأي طريق من طرق الطعن)، وذلك على النحو التالي:

1 ـ المقرر بنص المادة 20 من القانون رقم 1 لسنة 2000 م " أن للزوجين أن يتراضيا فيما بينهما على الخلع فإن لم يتراضيا عليه وأقامت الزوجة دعواها بطلبه وافتدت نفسها وخالعت زوجها بالتنازل عن جميع حقوقها المالية الشرعية وردت عليه الصداق الذى أعطاه لها حكمت المحكمة بتطليقها عليه … ويقع الخلع فى جميع الأحوال طلاق بائن ويكون الحكم فى جميع الأحوال غير قابل للطعن عليه بأى طريقه من طرق الطعن بما مؤداه أن الحكم الصادر بتطليق المطعون ضدها خلعاً غير قابل للطعن عليه بأى طريق من طرق الطعن " .

(الطعن رقم 673 لسنة 72 جلسة 2003/06/16 س 54 ع 2 ص 1008 ق 177)

2 ـ المقرر طبقاً للفقرة الأخيرة من المادة 20 من القانون رقم 1 لسنة 2000 - بتنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية - عدم جوازية الطعن على الحكم الصادر بالخلع بأى طريق من طرق الطعن سواء بالاستئناف أو النقض .

(الطعن رقم 592 لسنة 74 جلسة 2007/06/18 س 58 ص 586 ق 100)

3 ـ لما كانت الفقرة الأخيرة من المادة 20 من القانون رقم 1 لسنة 2000 لا تجيز الطعن فى الحكم الصادر بالخلع بأى طريق من طرق الطعن ، فإن الطعن عليه بالاستئناف أو النقض يكون غير جائز ، ولا ينال من ذلك ما يراه الطاعن من جواز الطعن عليه طبقاً للمادة 221 من قانون المرافعات ، إذ إن ما أجازته هذه المادة من استئناف الأحكام الصادرة بصفة انتهائية من محاكم الدرجة الأولى بسبب مخالفة قواعد الاختصاص المتعلقة بالنظام العام ، أو وقوع بطلان فى الحكم ، أو بطلان فى الإجراءات أثر فى الحكم لا يعد استثناءً على حكم المادة 20 من القانون رقم 1 لسنة 2000 ، لأن هذا القانون تشريع خاص تضمن النص على نهائية الحكم الصادر بالخلع بما يعتبر استثناءً من قانون المرافعات ، فلا سبيل إلى إلغاء أحكامه إلا بتشريع ينص على هذا الإلغاء ، كما لا يستفاد هذا الإلغاء من نص المادة 221 من قانون المرافعات المشار إليها ، ذلك أن النص العام لا يلغى ضمناً النص الوارد فى قانون خاص ، ويتعين إعمال النص الخاص ، ومن ثم فلا مجال لإعمال حكم المادة 221 آنفة البيان على الأحكام الصادرة بالخلع وفقاً للمادة 20 من القانون رقم 1 لسنة 2000 وتظل كما وردت بنصها غير قابلة للطعن .

(الطعن رقم 510 لسنة 72 جلسة 2003/11/22 س 54 ع 2 ص 1289 ق 227)

4 ـ إذ كانت المطعون ضدها قد أقامت الدعوى بطلب التطليق على الطاعن خلعاً لبغضها الحياة الزوجية معه وخشيتها ألا تقيم حدود الله ولم تقدم الدليل على وجود مانع لديها من الاحتباس لحقه استيفاءً للمقاصد الشرعية من عقد الزواج ومن ثم فإنها لا تستحق النفقة عليه من تاريخ إقامتها دعواها فى 2002/4/29 وتصريحها بالتنازل عن حقوقها المالية الشرعية قبله ، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر بقضائه بتأييد الحكم الابتدائى القاضى بإلزام الطاعن بأن يؤدى للمطعون ضدها نفقة زوجية عن المدة من تاريخ رفع الدعوى حتى صدور الحكم بتطليقها عليه خلعاً ، فإنه يكون معيباً بمخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه .

(الطعن رقم 670 لسنة 74 جلسة 2007/02/19 س 58 ص 178 ق 30)

5 ـ النص فى المادة السادسة من المرسوم بقانون 78 لسنة 1931 بإصدار لائحة ترتيب المحاكم الشرعية على أنه " تختص المحاكم الشرعية الجزئية بالحكم الإبتدائى فى المنازعات فى المواد الآتية .... ، الطلاق والخلع والمبارأة " ، وفى المادة 24 من ذات القانون على أنه " ترفع الدعوى أمام المحكمة التى بدائرتها محل إقامة المدعى أو المدعى عليه إذا كانت من الزوجة أو من الأم الحاضنة فى المواد الآتية : 1– ..... 2– ...... 8 – الطلاق والخلع والمبارأة " يدل على أن المشرع فى هذا القانون أورد رفع دعوى التطليق للخلع . أمام جهات القضاء المختصة ، وأنه تطبق عليها الإجراءات الواردة فى هذه اللائحة ، بما مفاداه حق الخصوم فى استعمال هذه الدعوى طبقاً للقواعد الموضوعية الواردة فى الشريعة الغراء والتى تقرر أن للزوجة حق الطلاق خلعاً إذا افتدت نفسها وردت للزوج ما دفعه لها من صداق وتنازلت عن حقوقها الشرعية قبله لقوله تعالى " لا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتد ت به " وما رواه البخارى والنسائى عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت يا رسول الله ما أعيب عليه فى خلق ولا دين ولكن اكره الكفر فى الإسلام فقال الرسول صلى الله عليه وسلم أتردين عليه حديقته ، فقالت نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إقبل الحديقة وطلقها تطليقة " وأن غالبية رأى الفقهاء على أن الخلع يكون بتراضى الزوجين فإذا لم يتم التراضى بينهما فللقاضى إلزام الزوج بالخلع .

(الطعن رقم 485 لسنة 69 جلسة 2005/01/03 س 56 ص 59 ق 10)

وعلى هذا النحو يجري الحكم والقضاء في مصر عملاً بنص المادة 20 من القانون رقم 1 لسنة 2000 بشأن بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية، في شأن قضايا الخلع مما لا لبس فيه فإن ردت الزوجة إلى زوجها مقدم صداقها وأبرأته من مؤخر الصداق ومن جميع حقوقها المالية الشرعية من نفقة عدة ونفقة مسكن ومتعة، وأقرت بأنها تبغض الحياة الزوجية بينهما وتخشى ألا تقيم حدود الله بسبب هذا البغض، وعجزت المحكمة عن التوفيق والصلح بينهما بعد أن ندبت حكمين للتوفيق والإصلاح، قضت المحكمة بتطليقها من زوجها خلعاً، وهو طلاق بائن بينونة صغرى إلا إذا كان مكملاً للثلاث، وهذا الحكم لا يقبل الطعن عليه بأي طريق من طرق الطعن.

وقد حاد المشرع في بعض أحكامه سالفة البيان عن الراجح في مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان وهو المذهب الذي لا يجيز الحكم بالخلع إلا بتراضي الزوجين وقبولهما لبدل الخلع، كما أن الخلع على هذا النحو المتوافق عليه بين الزوجين لا يمنع الزوجة من استحقاق نفقة العدة ونفقة السكنى، وغير ذلك من الأحكام، التي تتضح جلية من مطالعة أرجح الأقوال من مذهب الإمام أبي حنيفة.

 وننوه بداءة على أن النص الواجب التطبيق في مصر فيما يتعلق بمسائل الخلع هو إذن نص المادة 20 المشار إليه دون ما ورد في أرجح الأقوال من مذهب الإمام أبي حنيفة، ويتم الرجوع إلى أرجح الأقوال فيما لم يرد فيه نص في القانون رقم 1 لسنة 2000 الصادر بتنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية وذلك عملاً بنص المادة 3 إصدار من هذا القانون.

وقد وردت النصوص المتعلقة بمسائل الخلع كافة وفقاً لأرجح الأقوال من مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان في المواد (273 -297) والتي انتظمها المرحوم محمد قدري باشا (1821م -1886م) في كتابه الماتع "الأحكام الشرعية" كمواد ونصوص على غرار النظم القانوني، على النحو التالي:

 (مادة 273) إذا تشاق الزوجان وخافا أن لا يقوما بما يلزمهما من حقوق الزوجية وموجباتها جاز الطلاق والخلع فى النكاح الصحيح .

(مادة 274) ويشترط لصحة الخلع أن يكون الزوج المخالع أهلاً لإيقاع الطلاق وأن تكون المرأة محلاً له .

(مادة 275) العوض ليس بشرط فى الخلع فيقع صحيحاً به وبدونه سواء كانت المرأة مدخولاً بها أم لا .

(مادة 276) يجوز قضاء للزوج أن يخالع زوجته على عوض أكثر مما ساقه إليها .

(مادة 277) كل ما صلح من المال أن يكون مهراً صح أن يكون بدلاً للخلع .

(مادة 278) يقع بالخلع طلاق بائن سواء كان بمال أو بغير مال وتصح فيه نية الثلاث ولا يتوقف على القضاء .

(مادة 279) إذا أوجب الزوج الخلع ابتداء وذكر معه بدلاً توقف وقوعه واستحقاق البدل على قبول المرأة عالمة بمعناها وبعد إيجاب الزوج لا يصح رجوعه عنه قبل جوابها وهو لا يقتصر على المجلس حتى لا يبطل بقيامه عنه قبل قبولها ويقتصر على مجلس علمها به فلا يصح قبولها بعد مجلس علمها فإن كان الخلع بلفظ خلعتك بلا ذكر بدل فلا يتوقف على قبولها بل يقع البائن وإن لم تقبل بخلاف ما إذا كان بلفظ الملاعنة أو الأمر أو ذكر معه المال فلا بد من قبولها .

(مادة 280) إذا أوجبت المرأة الخلع ابتداء بأن قالت إختلعت نفسي منك بكذا فلها الرجوع عنه قبل جواب الزوج ويقتصر على المجلس فيبطل بقيامها أو قيامه عنه القبول ولو قبل بعده لا يصح قبوله .

(مادة 281) إذا خالع الزوج امرأته أو بآرائها على ما مسمى غير الصداق وقبلت طائعة مختارة لزمها المال وبريء كل منهما من الحقوق الثابتة عليه لصاحبه وقت الخلع أو المبارأة مما يتعلق بالنكاح الذى وقع الخلع منه فلا تطالب المرأة بما لم تقبضه من المهر ولا بنفقة ماضية مفروضة ولا بكسوة ولا بمتعة أن خالعها زوجها قبل الدخول ولا يطالب هو بنفقة عجلها أو لم تمض مدتها ولا بمهر سلمه إليها وكذلك إذا لم يسميها شيئاً وقت الخلع يبرأ كل منهما من حقوق الآخر فلا يطالبها بما قبضت ولا تطالبه بما بقى فى ذمته قبل الدخول وبعده .

(مادة 282) إذا كان البدل منفياً بأن خالعها لا على شئ فلا يبرأ أحد منهما عن حق صاحبه .

(مادة 283) إذا خالعها بكل المهر ورضيت فإن كان مقبوضاً رجع بجميعه عليها وإن لم يكن مقبوضاً سقط عنه سواء كان الخلع قبل الدخول أو بعده وإذا خالعها على بعضه فإن كان الكل مقبوضاً والخلع بعد الدخول يرجع عليها بذلك البعض ويترك لها الباقي وإن كان قبل الدخول يرجع عليها بنصف البعض الذى وقع عليه الخلع وإن لم يكن المهر مقبوضاً سقط عنه مطلقاً .

(مادة 284) نفقة العدة والسكنى لا يسقطان ولا يبرأ المخالع منهما إلا إذا نص إليهما صراحة وقت الخلع .

(مادة 285) إذا هلك بدل الخلع قبل تسليمه للزوج أو ادعاه آخر واثبت أنه حقه فعليها مثله أن كان مثلياً أو قيمته أن كان قيمياً .

(مادة 286) إذا اشترط الزوج على المرأة وقت الخلع براءته عن أجرة رضاع ولده منها مدة سنتى الرضاع أو اشترط إمساكها له والقيام بنفقته بعد الفطام مدة معلومة وقبلت ذلك تجبر على إرضاع الولد مدة السنتين وتلزم بنفقة فى المدة المعينة لإمساكه فإن تزوجها أو هربت وتركت له الولد أو ماتت هى قبل تمام مدة الرضاع أو قبل تمام مدة إمساكه فله أن يرجع عليها ببقية أجرة الرضاع إلى تمام مدته وبنفقته ما بقى من المدة التى قبلت إمساك الولد فيها ما لم يشترط وقت الخلع عدم الرجوع عليها بشيء إذا ماتت هى أو الولد قبل تمام المدة وكذلك إذا خالعها على إرضاع حملها سنتين وظهر أنه لم يكن فى بطنها ولد أو أسقطت أو مات الولد قبل المدة فأنه يكون للمخالع حق الرجوع عليها بقيمة الرضاع من المدة كلها أو ما يكون باقياً منها.

(مادة 287) إذا أختلعت المرأة على إمساك ولدها إلى البلوغ فلها إمساك الأنثى دون الغلام وان تزوجت فى أثناء المدة فللزوج أخذ الولد منها ولو اتفقا على تركه عندها وينظر إلى أجرة مثل إمساكه فى المدة الباقية فيرجع بها عليها .

(مادة 288) اشتراط الرجل فى الخلع إمساك ولده عنده مدة الحضانة باطل وان صح الخلع وللمرأة أخذه وإمساكه مدة الحضانة ما لم يسقط حقها بموجب وعلى أبيه حضانته ونفقته أن كان الولد فقيراً .

(مادة 289) لا يسقط دين نفقة بدين للمخالع على المرأة فإذا خالعته على نفقة ولدها وكانت معسرة وطالبته بها يجبر عليها وتكون ديناً له فى ذمتها يرجع به عليها إذا أيسرت .

(مادة 290) يجوز لأبى الصغيرة أن يخلعها من زوجها فإن خلعها بمالها أو بمهرها ولم يضمنه طلقت بائناً ولا يلزمها المال ولا يلزمه ولا يسقط مهرها وان خلعها على مهرها أو على مال والتزام بأدائه من ماله للمخالع ضح ووقعت الفرقة ولزمه المال أو قيمته أن استحق ولا يسقط المهر بل تطالب به المرأة وهو يرجع به على أبيها أن كان الخلع على المهر .

(مادة 291) إذا جرى الخلع بين الزوج وزوجته القاصرة واشترط عليها بدلاً معلوماً توقف على قبولها فإن قبلت وهى من أهل القبول بأن كانت تعقل أن النكاح جالب والخلع سالب ثم الخلع ولا مال عليها ولا يسقط مهرها وإن لم تقبل أو قبلت ولم تكن من أهله فلا تطلق ولو قبل عنها أبوها فإن بلغت وأجازت قبوله جاز عليها وإذا طلقها الزوج على مهرها وهى صغيره مميزة وقبلت رجعياً ولا يسقط مهرها .

(مادة 292) لا يصح خلع الأب عن أبنه الصغير وليس له أن يجيز خلعاً أوقعه أبنه القاصر .

(مادة 293) المحجوز عليها لسفه إذا إختلعت من زوجها على مال وقعت الفرقة ولا يلزمها المال وإن طلقها تطليقة على ذلك المال تقع رجعية .

(مادة 294) خلع المريضة مرض الموت صحيح وإن كان على مال يعتبر من ثلث مالها فإن ماتت وهى فى العدة فلمخالعها الأقل من ميراثه ومن بدل الخلع ومن ثلث المال وإن ماتت بعد انقضاء العدة فله الأقل من البدل ومن الثلث وإن برئت من مرضها فله جميع البدل المسمى .

(مادة 295) لا يطلب الوكيل بالخلع من قبل المرأة بالبدل المخالع عليه إلا إذا أضافه إلى نفسه إضافة ملك أو ضمان فإن كان كذلك وجب عليه أداؤه ويرجع به على موكلته .

(مادة 296) يصح تعجيل بدل الخلع والطلاق وتأجيله إلى أجل قريب أو بعيد .

(مادة 297) إذا خالع الزوج امرأته وأخذ منها بدلا بغير حق بأن كان النكاح فاسداً من أصله لا يقبل الخلع فلها أن تسترد ما أخذه .

الخلع والطلاق على مال في المذهب الحنفي:

ومقتضى القول الراجح في المذهب الحنفي في هذا الخصوص أن للزوجة أن تطلق على الزوج نظير بدل وأن هذا الحق مقرر لكلاً من الزوجين إلا أنه إذا استخدمت فيه كلمات المخالعة مثل (خالعتك ـ أبرأتك ـ افتديت) اعتبر الأمر مخالعة تتم بين الزوجين وذلك كأن تقول الزوجة (خالعتك على حقوقي الشرعية أو أبرأتك من مؤخر صداقي أو افتديت نفسي منك بكامل متعتي منك فيرد عليها الزوج من فوره بقوله "قبلت") أو يقول الزوج (خالعتك على كذا أو أفتدي نفسك بكذا فترد الزوجة بقولها "قبلت") أما إذا لم تستخدم ألفاظ الخلع السابقة أو ما في معناها وورد في الاتفاق لفظ الطلاق اعتبر الأمر طلاق على مال طالما استخدمت كلمة الطلاق في الإيجاب أو القبول .

ويقع بالطلاق على مال طلاق بائن، إلا إذا ثبت بطلان البدل كأن كان المال غير متقوم فيقع حينئذ طلاق رجعي.

ولا يجيز القول الراجح في المذهب الحنفي للزوجة إجبار الزوج على تطليقها نظیر بدل تقدمه ومن ثم فلا يجوز القضاء بالتطليق بناء على طلب الزوجة جبراً على الزوج لمجرد تقديمها لبدل عن ذلك الطلاق، وعلى ذلك فلا يقع الطلاق في الفقه الحنفي نظير البدل إلا باتفاق الزوجين وتراضيهما عليه وفي هذه الحالة يكون قضاء المحكمة بإثبات طلاق الزوج للزوجة نظير ما اتفق عليه من بدل.

ويشترط لصحة الطلاق بالبدل أن يكون الزوج أهلا لإيقاع الطلاق وأن تكون المرأة محلا له.

وإذا صدر الإيجاب من المرأة بالبدل ابتداء بأن قالت للزوج افتديت نفسي منك بكذا فإن لها الرجوع عن ذلك الإيجاب طالما لم يصدر عن الزوج قبول له، ويقتصر إيجابها على المجلس الذي صدر فيه فإذا غادرت المجلس قبل قبول الزوج سقط الإيجاب.

أما إذا أوجب الزوج الافتداء ابتداء مقابل بدل المرأة فلا يصح له الرجوع عنه خلال المجلس، أما إذا انتهى المجلس قبل قبول المرأة أو رفضها سقط إيجابه، فإذا أوجب الخلع بدون ذكر بدل وقع به طلاق بائن بدون بدل.

ولا يسقط في الطلاق بيدل إلا ما اتفق عليه الطرفان بجعله مقابلاً الطلاق دون غيره مما لم يتناوله الأنفاق .

ويصح أن يكون بدلاً كل ما صلح من المال أن يكون مهراً، فإذا افتدت نفسها بكل المهر ورضيت فإن كان مقبوضأ رجع بجميعه عليها وإن لم يكن مقبوضأ سقط عنه سواء كان الاتفاق قبل الدخول أو بعده، وإذا اتفقا على بعضه فإن كان الكل مقبوضأ والاتفاق بعد الدخول يرجع عليها بذلك البعض ويترك لها الباقي وإن كان قبل الدخول يرجع عليها بنصف البعض الذي وقع عليه الاتفاق وإن لم يكن المهر مقبوضأ سقط عنه مطلقاً.

ويصح أن يكون بدلاً نفقة العدة وأجر المسكن، كما يصح أن يكون بدلاً أجر إرضاع الولد مدة سنتي الرضاع، كما يصح أن يكون البدل هو اشتراط إنفاق الزوجة على الصغير بعد الفطام مدة يشترط أن تكون محددة ومعلومة، فإن تزوجت الأم أو هربت وتركت له الولد أو ماتت هي قبل تمام مدة الرضاع أو قبل تمام مدة إمساكه فله أن يرجع عليها ببقية أجرة الرضاع إلى تمام مدته وبنفقته ما بقي من المدة التي قبلت الإنفاق على الولد خلالها ما لم يشترط عدم الرجوع عليها بشيء إذا ماتت هي أو الولد قبل تمام المدة، وكذلك إذا اتفقا على إرضاع حملها سنتين وظهر أنه لم يكن في بطنها ولد أو أسقطت أو مات الولد قبل المدة فإنه يكون للزوج حق الرجوع عليها بقيمة الرضاع عن المدة كلها أو ما يكون باقياً منها.

ويصح أن يكون البدل إمساك المرأة ابنتها الأنثى إلى البلوغ دون الذكر فإن تزوجت في أثناء المدة فللزوج أخذ الولد منها ولو اتفقا علی ترکه عندها وينظر إلى أجره مثل إمساكه في المدة الباقية فيرجع بها عليها ولا يصح أن يكون البدل إمساك الزوج لولده عنه مدة حضانة النساء له فيبطل في هذه الحالة البدل ويصح الطلاق ويقع به طلقة بائنة وفي هذه الحالة يكون لامرأة أخذ الولد وإمساكه مدة الحضانة ما لم يسقط حقها بموجب ويلتزم أبيه بأجر حضانته ونفقته إن كان الولد فقيراً.

ولا يصح أن يكون البدل دين على الزوج بنفقة ولده من زوجته، فلا يسقط دین نفقة الولد بدين للمخالع على المرأة، فإذا أبرأته من نفقة ولدها وطالبته بها وقع الطلاق البائن ويجبر على أداء النفقة وتكون دين له في ذمتها يرجع به عليها.

ويتعين الإشارة إلى جواز تعجيل البدل أو الطلاق كما يصح تأجيل أيهما إلى أجل قريب أو بعيد.

الخلع في القانون رقم 1 لسنة 2000 ”نص مستحدث

هذه هي أحكام الخلع في القول الراجح من المذهب الحنفي، إلا أن قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2000 تضمن تنظيما خاصا للخلع حيث نصت المادة 20 من القانون المذكور على أن للزوجين أن يتراضيا فيما بينهما على الخلع، فإن لم يتراضيا عليه وأقامت الزوجة دعواها بطلبه و افتدت نفسها وخالعت زوجها بالتنازل عن جميع حقوقها المالية الشرعية وردت عليه الصداق الذي أعطاه لها حكمت المحكمة بتطليقها عليه، ولا تحكم المحكمة بالتطليق للخلع إلا بعد محاولة الصلح بين الزوجين وندبها حكمين لموالاة مساعي الصلح بينهما خلال مدة لا تجاوز ثلاثة أشهر وعلى الوجه المبين بالفقرة الثانية من المادة (۱۸) والفقرتين الأولى والثانية من المادة (۱۹) من هذا القانون وبعد أن تقرر الزوجة صراحة إنها تبغض الحياة مع زوجها وأنه لا سبيل لاستمرار الحياة الزوجية بينهما وخشيتها ألا تقيم حدود الله بسبب هذا البغض، ولا يصح أن يكون مقابل الخلع إسقاط حضانة الصغار أو نفقتهم أو أي حق من حقوقهم، ويقع بالخلع في جميع الأحوال طلاق بائن، ويكون الحكم - في جميع الأحوال - غير قابل للطعن عليه بأي طريق من طرق الطعن .

وعلى ذلك أصبح واجباً على المحاكم تطبيق النص السالف على ما يرفع إليها من دعاوى بهذا الخصوص على أن يقتصر تطبيق القون الراجح من المذهب الحنفي على النحو السابق بسطه لما لم يتناوله حكم نص المادة 20 السالفة وذلك إعمالا لحكم المادة الثالثة من مواد إصدار القانون رقم 1 لسنة 2000 .

الاتفاق على المخالعة وإثباتها:

والأصل أن تتم المخالعة بين الزوجين بالتراضي ولا يشترط أن يفرغ ذلك التراضي في عقد مكتوب وإنما يجوز الاتفاق عليه شفاهه وإثبات ما اتفق عليه الطرفان في محضر جلسة القضية التي يكون لأي من الزوجين إقامتها لإثبات اتفاق المخالعة فإذا أقام الزوج الدعوى ولم تصادقه الزوجة على ما ادعاه كان للزوج - في رأينا - إثبات الاتفاق على المخالعة بكافة طرق الإثبات ومنها البينة الشرعية، وتخضع دعوى الزوج في هذه الحالة لأحكام القول الراجح من المذهب الحنفي متقدمة البيان لخلو نص المادة محل التعليق من تنظيم حكم هذه الحالة حيث اقتصرت علی تنظيم حكم حالتين أولهما حالة التراضي أو الاتفاق على الخلع وثانيهما حالة إقامة الزوجة الدعوى بطلبه.

وقد أجاز نص المادة ۲۰ محل التعليق للزوجة أن تقيم الدعوى بطلب مخالعة الزوج المدعي عليه والتطليق عليه بطلقة بائنة ولو لم يتراضيا عليه.

ولا يجوز تكليف الزوجة بإقامة الدليل على أنها تبغض الحياة مع زوجها إذ يكفي أن تقرر الزوجة ذلك صراحة بصحيفة الدعوى وبالتالي فلا يجوز للمحكمة أن تقضي بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات شيء من ذلك.

شروط التطليق خلعاً في القانون:

ويجوز أن تتضمن دعوى الزوجة بياناً تفصيلياً بالمقابل الذي تدفعه في مقابل حصولها على الطلاق خلعاً، ولها أن تجمل ذلك المقابل في عبارة تفيد التنازل عن جميع الحقوق المالية الشرعية ورد صداقها الذي قبضته، وعلى ذلك فيجوز أن يكون مقابل الخلع بعض الحقوق المالية الشرعية إذا كان ذلك بموافقة الزوج المدعى عليه وإلا وجب أن تقر الزوجة بتنازلها عن جميع الحقوق المالية الشرعية ورد الصداق المقبوض.

الحقوق المالية التي يشملها الخلع:

كما يجوز للزوجة أن تضيف إلى تنازلها عن كافة حقوقها المالية الشرعية والصداق المدفوع ما ترغب في إضافته بالزيادة على ذلك فليس هناك ما يحول دون إضافة أي مقابل آخر إلى الحقوق الواردة بالنص جميع الحقوق المالية الشرعية والصداق المقبوض) إذ قد يكون ما أضافته محل اتفاق بين الزوجين إلا أن ذلك مشروط بألا تكون الزيادة مما يتناول ما حظر النص جعله عوضا عن الطلاق كحضانة الصغار أو نفقتهم أو ما في حكمها كمصروفات الولادة أو التعليم المستحقة أو أي حق من حقوقهم إن وجدوا كالحق في التعليم أو السفر (صحبة الحاضنة بضوابطه وألا تكون الزيادة مما لا يجوز أن يكون مقابلاً للخلع شرعا وفقا للقول الراجح بالمذهب الحنفي (كأموال محرمة شرعا وهكذا)، كما لا يجوز أن يكون مقابل الخلع حقوق شرعية للزوجة على زوجها إلا أنها لا تتصف بصفة المال (كالحق في صيانة أسرار الحياة الزوجية وعدم إفشائها).

وقد أوردت المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 1 لسنة 2000 أن تنازل الزوجة يكون عن جميع حقوقها المالية الشرعية وتشمل مؤخر صداقها ونفقة العدة والمتعة الأمر الذي يفهم معه من ظاهر العبارة أن التنازل لا يشمل ما عساه يكون مستحقا للزوجة من نفقة زوجية، ورغم أن هذا التفسير يتعارض مع الراجح في المذهب الحنفي الذي يسقط بالخلع نفقة الزوجية المستحقة حتى تاريخ الحكم بالخلع ويعطي المخالعة - على خلاف ما ورد بالمذكرة الإيضاحية - الحق في نفقة العدة وأجر المسكن خلال العدة وهو ما يجب الأخذ به إعمالا لقاعدة أنه "إذا أطلق النص في التشريع وجب الرجوع إلى مأخذه" وذلك لعموم لفظ (جميع الحقوق المالية الشرعية الوارد بنص المادة 20 من القانون رقم 1 لسنة ۲۰۰۰ وعدم بيان حكم ما عساه يكون مستحقا للمخالعة من نفقة ماضية مما يوجب الرجوع إلى مأخذ النص وهو المذهب الحنفي للوقوف على تلك النفقة الماضية، وإذا كان هذا المذهب يسقط بالخلع كافة الحقوق الشرعية بما فيها النفقة الماضية ويعطي المخالعة - على خلاف ما ورد بالمذكرة الإيضاحية - الحق في نفقة العدة وأجر المسكن خلال العدة - إلا أنه مع تقرير القاعدة الأصولية أن المذكرات الإيضاحية للنصوص القانونية لا يجوز أن تنطوي على ما يعد تعديلا للنص القانوني الذي وضعت لتفسيره فإننا نرى أن عبارة "جميع الحقوق المالية الشرعية" - الواردة بنص المادة 20 من القانون رقم 1 لسنة ۲۰۰۰ والصادر في تاريخ لاحق للقانون 25 لسنة ۱۹۲۹ بما يعد معه نص المادة 20 منه ناسخة ومعدلة لما ورد بالمذكرة الإيضاحية للمادة الأولى من القانون 25 لسنة ۱۹۲۹ إعمالا للمادة الرابعة من مواد إصدار القانون 1 لسنة ۲۰۰۰ - لا يتسني تأويلها على نحو يخرج منجمد نفقة الزوجية عن المدة السابقة من عداد الحقوق الشرعية التي يشملها الخلع وهو ما يتعين معه التقرير بأن صریح نص المادة ۲۰ من القانون 1 لسنة 2000 قد قصد به المشرع الخروج على الراجح بالمذهب الحنفي في هذا الخصوص بمقتضى النص المذكور شأن خروجه على راجح ذلك المذهب في مواضع عديدة و على نحو ينصرف معه عبارة جميع الحقوق المالية الشرعية" لتشمل نفقة الزوجية المستحقة في ذمة الزوج سواء ما عساه مستحقة للزوجة عن فترة سابقة على رفع الدعوى بالخلع أو عن مدة تداول الدعوى أمام المحكمة وحتى صدور الحكم فيها فضلا عن نفقة العدة وكل حق ثابت للزوجة بالفعل. إلا أنه يتعين الإشارة إلى أن محكمة النقض قد ذهبت في الطعن - غير المنشور - رقم 670 لسنة 74 ق - جلسة 2007/2/19 إلى سقوط نفقة الزوجية اعتبارا من تاريخ إقامة دعوى الخلع دون المستحق منها عن المدة السابقة على تاريخ إقامة الدعوى.

كما يشمل التنازل عن جميع الحقوق المالية الشرعية للمختلعة التنازل عن الحق في أجر الحضانة والرضاع عدا أجر مسكن الحضانة باعتباره مما يتعلق به حقوق الصغار إن وجدوا.

حالات الخلاف حول مقدار الصداق الواجب رده:

وينصرف مفهوم الصداق الوارد بالنص إلى ما تسلمته الزوجة بهذا المفهوم سواء كان الصداق جميعه أو بعضه وهو ما يعرف بعاجل الصداق المدفوع من الزوج أي (مقدم الصداق) حيث أفصح المشرع عن مراده بعبارة (الصداق الذي أعطاه لها) مما يعني أن ما لم تتسلمه الزوجة من الصداق (آجل الصداق) والذي جرى العرف على عدم استحقاق الزوجة له إلا في حالتي الطلاق أو الوفاة فلا يدخل في مفهوم الصداق الذي يتعين على الزوجة رده وإنما يسقط باعتباره يندرج ضمن الحقوق الشرعية التي تسقط جميعها بالخلع أيضا.

ويستوي أن تكون الزوجة قد تسلمت الصداق بنفسها أو عن طريق وسيط أو أحد أهليتها ولا يشترط أن يثبت أنها قد تسلمته بيدها شخصياً.

فإذا لم يكن الصداق مسمى في العقد وثار الخلاف حول مقداره طبق حكم المادة 19 من القانون والتي تنص على إنه إذا اختلف الزوجان في مقدار المهر فالبينة على الزوجة فإن عجزت كان القول للزوج بيمينه إلا إذا ادعى ما لا يصح أن يكون مهرة يكون لمثلها ففي هذه

الحالة اعتبر صداقها صداق المثل وقامت المحكمة بتقديره باعتباره مسألة  لازمة للفصل في الدعوى، فإذا كان مهر المثل أقل مما تقول به الزوجة أو مساويا لما تدعيه اعتبر وإن كان أكثر مما تدعيه ما ادعته لأن الظاهر يؤيدها في ذلك ولا يؤخذ بما قاله الزوج لأنه مستنكر في العرف والعادة .

وإذا كان عاجل الصداق مسمى في العقد ولكن الزوج أدعي أنه دفع أكثر منه قضت المحكمة يرد القدر المسمى في العقد وانفتح الطريق للزوج أن يطالب بما يدعيه بدعوی مستقلة أمام المحكمة المختصة ، وهو ما نرى معه خطأ الرأي الذي يذهب إلى اتخاذ إجراءات تحقیق دفاع الزوج في هذا الخصوص قبل الحكم في الدعوى والذي يترتب عليه تعطيل الفصل فيها.

وجوب عرض الصلح قبل الحكم بالخلع:

وقد أوجب النص على المحكمة إجراء محاولة للصلح بين الزوجين قبل الحكم في الدعوى.

ويجب تكرار محاولة الصلح مرتين إذا كان للزوجين ولد على أن تفصل بين المرتين مدة لا تقل عن ثلاثين يوما ولا تزيد على ستين يوماً .

ويجب على المحكمة مراعاة ما أستقر عليه الفقه والقضاء من قواعد تحكم محاولة الصلح بين الزوجين وفق حكم المادة السادسة من القانون رقم 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 مثل عدم اشتراط حضور الطرفين لعرض الصلح عليهما والاكتفاء بعرضه على الزوجة ورفضه منها، ومثل وجوب إثبات المساعي التي قامت بها المحكمة في هذا الخصوص.

و تخلف المحكمة عن عرض الصلح يترتب عليه بطلان الحكم.

وجوب انتداب حكمين قبل الحكم بالخلع:

وبعد استيفاء إجراء عرض الصلح على الطرفين وجب علی المحكمة ندب حكمين لموالاة مساعي الصلح بينهما وذلك وفق أحكام الفقرتين الأولى والثانية من المادة 19 من القانون رقم 1 لسنة 2000 فيجب على المحكمة تكليف كلا الزوجين بتسمية حكم من أهله، ويفرغ إجراء تكليف المحكمة للخصوم بتسمية محكمیهما في شكل قرار يصدر من المحكمة دون استلزام إفراغه في حكم قضائي .

ويستحسن أن يكون محكم كل خصم من أهله قدر الإمكان، إلا أن النص أجاز أن يكونا من غير أهل الزوجين.

ولا يشترط أن يكون الحكمين من الرجال فيجوز أن يكون الحكم امرأة بشرط التعدد.

وقد أوجب النص على الخصمين تسمية محكمه في ذات الجلسة التي يصدر فيها القرار بالتحكيم، إلا أنه أجاز تأجيل ذلك إلى الجلسة التالية للجلسة التي صدر بها قرار التحكيم، فإذا تقاعس أيا من الخصمين عن تسمية محكمة في الجلسة التالية أو تخلف عن حضورها قامت المحكمة بتعيين حكماً عنه.

ويجوز أن يكون المحكم الذي تعينه المحكمة من الأخصائيين الاجتماعيين المسجلين بالقوائم الصادر بها قرار من وزير العدل بناء على ترشيح وزير التأمينات والشئون الاجتماعية أو غيرهم من رجال الدين.

ويتعين الإشارة إلى أن الأجل الذي منحه المشرع للمحكمة لتسمية الحكمين وهو الجلسة التالية للجلسة التي يصدر فيها قرار التحكيم هو من قبيل المواعيد التنظيمية التي لا يترتب على مخالفتها ثمة بطلان في الحكم، إلا أن تحقيق الغاية من النص يتعين معه على المحكمة الالتزام بالميعاد المحدد بالنص.

وقد أوجب نص المادة 19 على الحكمين المثول بشخصيهما أمام المحكمة بالجلسة التالية للجلسة التي صدر بها قرار تعيينهما.

كما أناطت الفقرة الثانية من نص المادة 19 بالحكمين إنجاز مهمتهما في محاولة الصلح بين الطرفين خلال المدة الزمنية الواقعة بين الجلسة التي مثلا فيها أمام المحكمة والجلسة التالية لها مباشرة والتي تقوم المحكمة بتأجيل نظر الدعوى إليها وحتى يقدم الحكمان تقريرها.

ولا يلزم أن يقدم الحكمان إلى المحكمة تقريرأ كتابياً بما خلصا إليه وإنما يجوز أن يثبت كل منهما ما انتهى إليه بمحضر الجلسة.

فإذا تخلف أيهما عن الحضور تسمع المحكمة أقوال الحاضر منهما بعد حلف اليمين التي يؤديها الشاهد وهي "أحلف بالله العظيم أن أقول الحق" باعتبار أن الحكمين أصبح طريقهما بصريح نص المادة 19 الشهادة وليس الحكم وفق ما هو عليه تفسير مقتضى نص المادة السابعة من القانون رقم 25 لسنة 1929 وهو ما دعا إلى القول بجواز أن يكون المحكمون من النساء مع التعدد المعتمد في القول الراجح للمذهب الحنفي.

ولا أثر لاتفاق الحكمين فيما ينتهيان إليه من نتيجة أو اختلافهما ففي أي من الحالتين فقد أعطى نص الفقرة الأخيرة من المادة 19 من القانون رقم 1 لسنة 2000 المحكمة سلطة الأخذ بما ينتهي إليه الحكمان من رأى أو الأخذ برأي أحدهما دون الأخر أو بطرح رأيهما والحكم بما تستقيه من أوراق الدعوى وحتى يكون للحكم سند منها.

ويشترط للحكم بإجابة الزوجة طلبها بالتطليق خلعاً أن تقر الزوجة إقرارا صريحا يثبت بمحضر الجلسة أو بمذكرة مقدمة منها إنها تبغض الحياة مع زوجها وأنه لا سبيل لاستمرار الحياة الزوجية بينهما وأنها تخشى إلا تقيم حدود الله بسبب هذا البغض، ومن ثم فلا يجوز استنتاج الإقرار من إقامة الدعوى، كما لا يجوز الإقرار الضمني بأي صورة من صوره.

ويستوي أن يصدر الإقرار الصريح بذلك من الزوجة قبل أو بعد إجراء الصلح أو التحكيم بين الزوجين.

ويجب أن يصدر الإقرار من الزوجة شخصياً أو ممن تفوضه تفويضاً خاصاً.

الخلع في الزواج العرفي:

ويثور التساؤل عن حق المتزوجة بعقد عرفي في مخالفة الزوج و وهل يجوز لمثل تلك الزوجة الشرعية إقامة الدعوى في حالة إنكار الزوج للزواج بطلب مخالعة الزوج رغم كون عقد زواجها لم يستوفي الشكل القانوني لعدم صدوره عن المأذون المختص بذلك، والذي نراه في هذا الخصوص أن المتزوجة بمقتضى عقد زواج عرفي شفوي أو كتابي لا يحق لها استخدام مكنه التطليق خلعاً لعدم ثبوت زواجها إلا أنه إذا كانت الزوجية العرفية ثابتة بأي كتابة على النحو المنصوص عليه بعجز الفقرة الثانية من المادة 17 من القانون رقم 1 لسنة 2000 بتنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية وأقامت الدليل على سبق قيام الزوجية بينها والمدعى عليه والذي يحق لها إثبات حصوله بكافة طرق الإثبات حيث ينفتح أمام الزوجة في هذه الحالة إمكانية اللجوء إلى طلب التطليق خلعاً ولا يقدح في ذلك القول أن المشرع قد حصر حق المتزوجة عرفيا في المادة ۲/۱۷ في طلب الطلاق دون غيره على سبيل الاستثناء تمكينا لها من الخروج من ذلك المأزق المتمثل في تحقق أسباب التطليق لديها دون قدرة على طلبه قضائية لعدم ثبوت الزواج في وثيقة رسمية وذلك بالنظر إلى النتيجة التي تسفر عنها كلا من دعوى الخلع ودعوى التطليق في الزواج العرفي باعتبارها واحدة في الحالتين وهی فصم عرى الزوجية دون حق في المطالبة أو التداعي بأي حق من الحقوق المقررة للزوجة فضلا عما هو مقرر في قضاء محكمة النقض من أن القيد الوارد في المادة ۲/۱۷ من القانون رقم 1 لسنة ۲۰۰۰ ينحصر في عدم قبول الدعاوى المترتبة على عقد الزواج - عند إنكار الزوجية - إلا إذا كانت الزوجية ثابتة في وثيقة رسمية ولا يمتد إلى الدعاوى الناشئة عن النزاع في ذات الزواج أو في وجود الزوجية ذاتها حيث يجوز لكل من الزوجين عند الإنكار إثباتها بكافة طرق الإثبات كما أنه إذا كان الهدف من تقرير حق المتزوجة عرفية في التطليق على النحو المنصوص عليه في المادة ۲/۱۷ من القانون رقم 100 لسنة 1985 هو إخراجها من مأزق عدم إمكانية حل رابطة الزوجية رغم توافر أسبابها بسبب عرفية العقد وهو ما حدا بالمشرع إلى حرمانها من إمكانية المطالبة بما يستحق لها من حقوق مترتبة على ذلك الزواج أو الطلاق فإن مخالعة المتزوجة رسمية للزوج بما يشترط لقبولها من إسقاط الزوجة لكافة حقوقها الشرعية إنما يتفق في الأثر المترتب على تطليق المتزوجة عرفيا والثابت زواجها بأي كتابة أو بأي طريق من طرق الإثبات حيث حرمها المشرع من حق المطالبة بالحقوق الشرعية بما ينطوي على إسقاط لها شأنها شأن المخالعة بعقد رسمي، كما لا يجوز الارتكان إلى اختلاف طبيعة الحكم الصادر في حالة التطليق للمتزوجة عرفيا باعتباره حكما قابلا للطعن عليه والحكم الصادر في طلب المخالعة باعتباره حكما انتهائية لا يجوز الطعن عليه عملا بحكم الفقرة الأخيرة من المادة ۲۰ من القانون رقم 1 لسنة ۲۰۰۰ باعتبار أنه لا يجوز الاستناد إلى طبيعة الحكم أو درجته كضابط للتفرقة بين الحقوق الموضوعية. (موسوعة المشكلات العملية في قوانين الأحوال الشخصية ، المستشار/ أشرف مصطفى كمال، الطبعة الخامسة عشر 2017 / 2018  ،  الجزء : الأول ، الصفحة : 425)

التكييف الفقهي للخلع:

الخلع - کالشأن في الطلاق على مال - يعتبر من جانب الزوج يميناً، فتراعى فيه أحكام اليمين، ومن جانب الزوجة معاوضة لها شبه بالتبرعات، لأنها لم ترض بدفع البدل إلا لتفتدي نفسها وتشتري عصمتها. فتراعى فيها أحكام التبرعات والمعاوضات، واعتبره الفقهاء كذلك لأنه تعليق الطلاق من جانب الزوج على شرط، وهذا الشرط هو المال، أو العوض الذي تدفعه الزوجة إلى الزوج نظیر طلاقها منه، فإذا قال الزوج لزوجته: «طلقتك على أن تدفعی الى مبلغا قدره خمسون جنيها»، مثلا، فكأنه قال لها: «إن قبلت هذا الشرط ودفعت المبلغ فأنت طالق»، فهو تعليق الطلاق على شرط، والتعليق عند الأحناف في معنى اليمين، فكأن الخلع من جانب الزوج يمينا.

هل يشترط رضاء الزوج بالخلع إذا خالعته الزوجة؟

ذكرنا في التكييف الفقهي للطلاق على مال والذي أحلنا إليه في التكييف الفقهی للخلع أن الطلاق على مال عقد ينعقد بإيجاب وقبول، ويعتبر يميناً من جهة الزوج ومعاوضة له شبه بالتبرعات من جهة الزوجة. وواضح من كونه عقدا - ككل العقود - أنه يشترط لوقوعه رضا الطرفين ومن ثم إذا كانت المخالعة من جانب الزوجة وجب رضاء الزوج بالخلع. وهذا الرأي هو ما ذهب إليه أغلب الفقهاء.

ويستندون في ذلك إلى أن قوله تعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ)، إنما يفيد رفع الجناح عن الزوجين عند الافتداء، ولكنه لا يتضمن أمراً للزوج بقبول الخلع. وأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس: «اقبل الحديقة وطلقها تطليقة»، هو أمر إرشاد وإصلاح لا إيجاب.

قد جاء بالبدائع للكاساني ج۳ ص 145 أن:

وأما ركنه فهو الإيجاب والقبول لأنه عقد على الطلاق بعوض، فلا تقع الفرقة ولا يستحق العوض بدون القبول بخلاف النوع الأول فإنه إذا قال: «خالعتك» ولم يذكر العوض ونوع الطلاق فإنه يقع الطلاق عليها، سواء قبلت أو لم تقبل، لأن ذلك طلاق بغير عوض فلا يفتقر إلى القبول».

وجاء بحاشية ابن عابدين ج۳ ص 441 وما بعدها :

الخلع يكون ..... وأما ركنه فهو كما في البدائع: إذا كان بعوض الإيجاب والقبول، لأنه عقد على الطلاق بعوض.... إلى آخر ما نقلناه سلفا عن البدائع».

وجاء ببداية المجتهد لابن رشد الطبعة الخامسة ص 68.

فإن الجمهور على أن الخلع جائز مع التراضي إذا لم يكن سبب رضاها بما تعطيه إضراره بها».

وجاء بصحیح البخاری ج 9 ص ۳۱۲:

قوله: «اقبل الحديقة وطلقها تطليقة - في واقعة زوجة ثابت بن قیس - هو أمر إرشاد وإصلاح لا إيجاب».

وجاء في تفسير القرطبي - طبعة دار الريان الجزء الثاني ص 946:

ولا معنى لهذا القول أن الرجل إذا خالع امرأته فإنما هو على ما يتراضيا به، ولا يجبره السلطان على ذلك».

وجاء بالمحلي لابن حزم ص 35 وما بعدها :

«الخلع وهو الاقتداء إذا كرهت المرأة زوجها فخافت ألا توفيه حقه، أو خافت أن يبغضها فلا يوفيها حقها، فلها أن تفتدي منه ويطلقها إن رضي وإلا لم يجبر هو ولا أجبرت هي، إنما يجوز بتراضيهما. ولا يحل الاقتداء إلا بأحد الوجهين المذكورين. فإن وقع بغيرهما فهو باطل ويرد عليها ما أخذ منها وهي امرأته كما كانت».

وجاء بجامع الفصولين : ج۱ ص۱۹۷ وما بعدها :

وكذا المرأة لو قالت اخلعني على كذا أو طلقني أو قال الزوج. خلعتك على كذا يشترط الجواب في المجلس».

وجاء بمنار السبيل في شرح الدليل للشيخ إبراهيم بن محمد بن سالم بن ضویان الجزء الثاني ص۲۰۳:

«.... ويستحب إجابتها إلى الخلع حيث أبيح لقوله صلى الله عليه وسلم، الثابت بن قيس «اقبل الحديقة وطلقها تطليقة» رواه البخاري. واختلف الشيخ تقي الدين في وجوب إجابته، وألزم بها بعض حكام الشام المقادسة الفضلاء. قاله في الفروع والإنصاف، لأمره صلى الله عليه وسلم لثابت بها ...... الخ».

وجاء بفتاوى النساء لابن تيمية تحقيق الدكتور محمد محمود عبد الله طبعة دار الكتاب الحديث ص 249 وما بعدها :

وسئل عن امرأة مبغضة لزوجها طلبت الانخلاع منه. وقالت له. إن لم تفارقني وإلا قتلت نفسي. فأكرهه الولى على الفرقة، وتزوجت غيره. وقد طلبها الأول. وقال: إنه فارقها مكرها، وهي لا تريد إلا الثاني؟

فأجاب: إن الزوج الأول أكره على الفرقة بحق مثل: أن يكون مقصرا في واجباتها، أو مضرا لها بغير حق من قول أو فعل كانت الفرقة صحيحة، والنكاح الثاني صحيحا، وهي زوجة الثاني. وإن كان أكره بالضرب أو الحبس وهو محسن لعشرتها حتى فارقها لم تقع الفرقة. بل إذا أبغضته وهو محسن إليها فإنه يطلب منه الفرقة من غير أن يلزم بذلك، فإن فعل وإلا أمرت المرأة بالصبر عليه إذا لم يكن ما يبيح الفسخ».

بينما ذهبت قلة من العلماء إلى أنه يجب على الرجل أن يجيب المرأة إذا رغبت في الخلع خشية ألا تقيم حدود الله فيه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال الثابت بن قيس: «اقبل الحديقة وطلقها تطليقة» والأمر هنا للوجوب حتى يصرف عنه دليل ولا يوجد صارفا، ولأن الخلع جعل للمرأة في مقابل ما بيد الرجل من الطلاق، ويترتب على ذلك أنه إذا رفض الرجل الخلع ألزمه القاضي بذلك.

فنجد ابن رشد بعد أن انحاز للرأي الأول في كتابه بداية المجتهد ص 68 : على النحو الذي نقلناه عنه، يردف قائلاً: «والفقه أن الفداء إنما جعل للمرأة في مقابلة ما بيد الرجل من الطلاق، فإنه لما جعل الطلاق بيد الرجل إذا فرك المرأة جعل الخلع بيد المرأة إذا فركت الرجل».

وجاء بكتاب قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة للإمام محمد الغزالي ص ۱۷۸ وما بعدها أنه :

..... وقد يرجئ القضاء العادل الرحيم إجابة المرأة إلى ما تبغى من خلع إيثاراً لمصلحة الأسرة والأولاد، وقد ينتظر نتيجة تحكيم يتدخل الأهلون فيه ابتغاء الإصلاح لكن المرأة إذا أبت إلا الفراق، وردت ما سبق إليها من مال، فما بد من تسريحها والاعتراف بمشاعرها، وليس لنا أن نسأل عن الأسباب الخفية لهذه الرغبة، لنقبلها أو نرفضها! إن النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما رق لزوج بريرة، وقدر محبته لها، ذهب إليها يحدثها في أن تعود إليه فسألته: جئت آمرا أم شافعا؟ قال جئت شافعا....!قالت: فلا أعود  ولم يتهمها النبي - عليه الصلاة والسلام - في دينها، ولا في طاعتها الله ورسوله....... وامرأة ثابت بن قيس لم تتهم زوجها بأنه يشتمها أو يضربها أو يضيق عليها، وإنما شكت بأنها تكرهه كراهية شديدة، وصرحت بأنها ما تعتب عليه في خلق ولا دين إنها تكرهه وحسب، فما معنى الزوجية والحالة هذه؟».

وجاء بفقه السنة للأستاذ سيد سابق المجلد الثاني - الجزء السابع ص 442:

والخلع يكون بتراضي الزوج والزوجة، فإذا لم يتم التراضي بينهما، فللقاضى إلزام الزوج بالخلع، لأن ثابتاً وزوجته رفعا أمرهما للنبي صلى الله عليه وسلم، وألزمه الرسول بأن يقبل الحديقة.... الخ». .

وجاء بمؤلف الدكتور محمد بلتاجى عميد كلية دار العلوم السابق في مؤلفه في أحكام الأسرة الجزء الأول 1985 ص 540:

أما الرجل فعليه أن يجيب المرأة إذا رغبت في الخلع خشية ألا تقيم حدود الله فيه لأن رسول الله قال لثابت بن قيس: «اقبل الحديثة وطلقها تطليقة» والأمر للوجوب حتى يصرف عنه دليل، ولا نجد صارفاً عنه».

هل يجوز للزوج المخالعة بأكثر من مهر الزوجة؟

ذهب أبو حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي وأصحابه وأبو ثور إلى أنه يجوز للزوج المخالعة مع المرأة بما تراضيا عليه سواء أكان أقل مما أعطى أم أكثر.

وقال مالك أنه لم ير أحدا ممن يقتدى به يمنع ذلك، ولكنه ليس من مكارم الأخلاق وروى هذا عن عثمان بن عفان والنخعي وابن عمر مستدلين بقوله تعالى: (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) فإن الآية رفعت الجناح عنهما في الأخذ والعطاء من الفداء من غير فصل بين ما إذا كان المعطي مساويا للمهر أو زائدا عليه، ولأن الخلع معاوضة والبدل فيه يرجع إلى تراضی الطرفين، وحينما أعطت الزيادة أعطتها من مالها بطيب من نفسها وقد قال تعالى: «فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا».

ولما رواه الدار قطني عن أبي سعيد الخدري أنه قال: كانت أختی تحت رجل من الأنصار تزوجها على حديقة، فكان بينهما كلام، فارتفعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «تردين عليه حديقته ويطلقك»؟ قالت: نعم، وأزيده قال: ردي عليه حديقته وزيدية»، وفي حديث ابن عباس «و إن شاء زدته ولم ينكر».

وروي عن الربيع بنت معوذ قالت كان بيني وبين ابن عمي كلام، وكان زوجها، قالت فقلت له: لك كل شيء وفارقني قال: قد فعلت فأخذ والله كل شيء حتى فراشي، فجئت عثمان وهو محصور فقال: الشرط أملك، خذ كل شيء حتى عقاص رأسها.

وقال طاوس وعطاء والأوزاعي لا يأخذ منها أكثر مما أعطاها.

وبه قال أحمد وإسحاق واحتجوا بما رواه ابن جريح من واقعة زوجة ثابت بن قيس عندما قال لها الرسول عليه الصلاة والسلام «أما الزيادة فلا ولكن حديقته». .

وما روي عن عطاء مرسلا أن النبي عليه السلام قال: «لا يأخذ من المختلعة أكثر مما أعطاها».

أما زفر فيوجب على الزوج بدلا هو مهرها.

هل يحرم على الزوج أخذ العوض في الخلع إذا كان النشوز من جانبه؟

يذهب جمهور الفقهاء إلى أنه إذا كان النشوز من جانب الزوج بأن يضيق عليها ويضرها، فلا يحل له أخذ شيء من الزوجة في نظير فراقها لقوله تعالى:( وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ۚ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا).

فالنص الكريم ينهى الزوج عن أخذ شيء مما أعطاه الزوجة عند إرادة الاستبدال، وهذا طبعا لا يكون إلا عندما تكون الكراهة منه وحده، وأكد النهى بما جاء في آخره «أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا»، وقوله تعالى:وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ، فإنه نهی الأزواج عن عضل الزوجات بإلحاق الأذى بهن ليكون وسيلة إلى أخذ بعض . المهر، لكنه استثنى حالة الإتيان بفاحشة مبينة - التي فسرت بالزنا أو بالنشوز - فأباح فيها الأخذ، وهذا يقتضي أن الأخذ عند عدم السبب منها حرام).

 

نهى المرأة عن الخلع بدون مبرر :

الخلع المشروع للمرأة هو الذي يكون المقصود منه تحقيق الحكمة التي دعت إلى تشريعه، لأن طلب الزوجة الخلع لغير سبب يقتضي ذلك حرام، وذلك لحديث ثوبان: «أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس، فحرام عليها رائحة الجنة».

ولحديث أبي هريرة: «المنتزعات والمختلعات هن المنافقات». وروى أن عمر بن الخطاب عندما جاءته امرأة تشتكي زوجها فجست في بيت فيه زبل فباتت فيه فلما أصبحت بعث إليها فقال كيف بت الليلة فقالت ما بت ليلة كنت فيها أقر عينا من الليلة فسألها عن زوجها فأثنت عليه خيرا وقالت إنه وإنه ولكن لا أملك غير هذا فأذن لها عمر في الفداء .

- عدم سقوط حق المطلقة في مسكن الحضانة :

لا يترتب على تطليق الزوجة للخلع إذا كانت حاضنة سقوط حقها في الإفادة من الحكم المنصوص عليه بالمادة (۱۸ مکررا ثالثا ) من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة ۱۹۲۹ الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية المضافة بالمادة الأولى من القانون رقم ۱۰۰ لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية والتي تقضي - على ضوء القضاء الصادر من المحكمة الدستورية العليا بتاريخ 6/1/1996 في القضية رقم 5 لسنة 8 قضائية «دستورية» - بأنه على الزوج المطلق أن يهييء لصغاره من مطلقته ولحاضنتهم المسكن المستقل المناسب، فإذا لم يفعل استمروا في شغل مسكن الزوجية مدة الحضانة.... الخ».

ذلك أنه يسري على المطلقة بائنا للخلع ما يسري على المطلقة لأي سبب آخر في هذا الخصوص. (موسوعة الفقه والقضاء في الأحوال الشخصية، للمستشار/ محمد عزمي البكري، دار محمود للنشر، المجلد الرابع، الصفحة 170)

وقد أوردت الموسوعة الفقهية الصادرة عن وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / التاسع عشر  ، الصفحة / 234 في باب الخلع ما يلي:

التَّعْرِيفُ :

الْخَلْعُ (بِالْفَتْحِ) لُغَةً هُوَ النَّزْعُ وَالتَّجْرِيدُ، وَالْخُلْعُ (بِالضَّمِّ) اسْمٌ مِنَ الْخَلْعِ.

وَأَمَّا الْخُلْعُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَقَدْ عَرَّفُوهُ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ تَبَعًا لاِخْتِلاَفِ مَذَاهِبِهِمْ فِي كَوْنِهِ طَلاَقًا أَوْ فَسْخًا، فَالْحَنَفِيَّةُ يُعَرِّفُونَهُ بِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ: أَخْذِ مَالٍ مِنَ الْمَرْأَةِ بِإِزَاءِ مِلْكِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْخُلْعِ.

وَتَعْرِيفُهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ فِي الْجُمْلَةِ هُوَ: فُرْقَةٌ بِعِوَضٍ مَقْصُودٍ لِجِهَةِ الزَّوْجِ بِلَفْظِ طَلاَقٍ أَوْ خُلْعٍ.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ :

أ - الصُّلْحُ :

- الصُّلْحُ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ مِنَ الْمُصَالَحَةِ وَهِيَ التَّوْفِيقُ وَالْمُسَالَمَةُ بَعْدَ الْمُنَازَعَةِ، وَمَعْنَاهُ فِي الشَّرْعِ عَقْدٌ يَرْفَعُ النِّزَاعَ، وَالصُّلْحُ مِنَ الأَْلْفَاظِ الَّتِي يَئُولُ إِلَيْهَا مَعْنَى الْخُلْعِ الَّذِي هُوَ بَذْلُ الْمَرْأَةِ الْعِوَضَ عَلَى طَلاَقِهَا، وَالْخُلْعُ يُطْلَقُ غَالِبًا عَلَى حَالَةِ بَذْلِهَا لَهُ جَمِيعَ مَا أَعْطَاهَا، وَالصُّلْحُ عَلَى حَالَةِ بَذْلِهَا بَعْضَهُ.

ب - الطَّلاَقُ :

- الطَّلاَقُ مِنْ أَلْفَاظِ الْخُلْعِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَمَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ بِمَعْنَى التَّطْلِيقِ، كَالسَّلاَمِ بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ وَتَرْكِيبُ هَذَا اللَّفْظِ يَدُلُّ عَلَى الْحِلِّ وَالاِنْحِلاَلِ، وَمِنْهُ إِطْلاَقُ الأَْسِيرِ إِذَا حَلَّ إِسَارُهُ وَخُلِّيَ عَنْهُ.

وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَمَعْنَاهُ: رَفْعُ قَيْدِ النِّكَاحِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ، وَأَمَّا صِلَتُهُ بِالْخُلْعِ، سِوَى مَا ذُكِرَ فَهِيَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الْخُلْعِ هَلْ هُوَ طَلاَقٌ بَائِنٌ، أَوْ رَجْعِيٌّ، أَوْ فَسْخٌ، عَلَى أَقْوَالٍ سَيَأْتِي تَفْصِيلُهَا.

وَالطَّلاَقُ عَلَى مَالٍ هُوَ فِي أَحْكَامِهِ كَالْخُلْعِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ؛ لأِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَلاَقٌ بِعِوَضٍ فَيُعْتَبَرُ فِي أَحَدِهِمَا مَا يُعْتَبَرُ فِي الآْخَرِ إِلاَّ أَنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ مِنْ ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: يَسْقُطُ بِالْخُلْعِ فِي رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ كُلُّ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ لأَِحَدِ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الآْخَرِ بِسَبَبِ الزَّوَاجِ، كَالْمَهْرِ، وَالنَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ الْمُتَجَمِّدَةِ أَثْنَاءَ الزَّوَاجِ، لَكِنْ لاَ تَسْقُطُ نَفَقَةُ الْعِدَّةِ لأِنَّهَا لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً قَبْلَ الْخُلْعِ فَلاَ يُتَصَوَّرُ إِسْقَاطُهَا بِهِ، بِخِلاَفِ الطَّلاَقِ عَلَى مَالٍ فَإِنَّهُ لاَ يَسْقُطُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجَيْنِ، وَيَجِبُ بِهِ الْمَالُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ فَقَطْ.

الثَّانِي: إِذَا بَطَلَ الْعِوَضُ فِي الْخُلْعِ مِثْلُ أَنْ يُخَالِعَ الْمُسْلِمُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَيْتَةٍ فَلاَ شَيْءَ لِلزَّوْجِ، وَالْفُرْقَةُ بَائِنَةٌ، بِخِلاَفِ الطَّلاَقِ فَإِنَّ الْعِوَضَ إِذَا بَطَلَ فِيهِ وَقَعَ رَجْعِيًّا فِي غَيْرِ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ؛ لأِنَّ الْخُلْعَ كِنَايَةٌ، أَمَّا الطَّلاَقُ عَلَى مَالٍ فَهُوَ صَرِيحٌ، وَالْبَيْنُونَةُ إِنَّمَا تَثْبُتُ بِتَسْمِيَةِ الْعِوَضِ إِذَا صَحَّتِ التَّسْمِيَةُ، فَإِذَا لَمْ تَصِحَّ الْتَحَقَتْ بِالْعَدَمِ فَبَقِيَ صَرِيحُ الطَّلاَقِ فَيَكُونُ رَجْعِيًّا.

الثَّالِثُ: الطَّلاَقُ عَلَى مَالٍ، طَلاَقٌ بَائِنٌ، يَنْقُصُ بِهِ عَدَدُ الطَّلْقَاتِ بِلاَ خِلاَفٍ، وَأَمَّا الْخُلْعُ فَالْفُقَهَاءُ مُخْتَلِفُونَ فِي كَوْنِهِ طَلاَقًا يَنْقُصُ بِهِ عَدَدُ الطَّلْقَاتِ، أَوْ فَسْخًا لاَ يَنْقُصُ بِهِ عَدَدُهَاكَمَا سَيَأْتِي.

ج - الْفِدْيَةُ :

- الْفِدْيَةُ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِلْمَالِ الَّذِي يُدْفَعُ لاِسْتِنْقَاذِ الأَْسِيرِ، وَجَمْعُهَا فِدًى وَفِدْيَاتٍ، وَفَادِيَتُهُ مُفَادَاةً، وَفِدَاءً أَطْلَقْتَهُ وَأَخَذْتَ فِدْيَتَهُ. وَفَدَتِ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا مِنْ زَوْجِهَا تَفْدِي، وَافْتَدَتْ أَعْطَتْهُ مَالاً حَتَّى تَخَلَّصَتْ مِنْهُ بِالطَّلاَقِ، وَالْفُقَهَاءُ لاَ يَخْرُجُونَ فِي تَعْرِيفِهِمْ لِلْفِدْيَةِ عَمَّا وَرَدَ فِي اللُّغَةِ. وَالْفِدْيَةُ وَالْخُلْعُ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَهُوَ بَذْلُ الْمَرْأَةِ الْعِوَضَ عَلَى طَلاَقِهَا، وَلَفْظُ الْمُفَادَاةِ مِنَ الأَْلْفَاظِ الصَّرِيحَةِ فِي الْخُلْعِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لِوُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ.

د - الْفَسْخُ :

- الْفَسْخُ مَصْدَرُ فَسَخَ وَمِنْ مَعَانِيهِ فِي اللُّغَةِ الإِْزَالَةُ، وَالرَّفْعُ، وَالنَّقْضُ، وَالتَّفْرِيقُ.

وَأَمَّا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَقَدْ ذَكَرَ السُّيُوطِيُّ وَابْنُ نُجَيْمٍ أَنَّ حَقِيقَةَ الْفَسْخِ حَلُّ ارْتِبَاطِ الْعَقْدِ، وَذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ الْفَسْخَ قَلْبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعِوَضَيْنِ إِلَى صَاحِبِهِ، وَالاِنْفِسَاخُ انْقِلاَبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعِوَضَيْنِ إِلَى دَافِعِهِ، وَصِلَةُ الْفَسْخِ بِالْخُلْعِ هِيَ أَنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ عَلَى قَوْلٍ. وَالْفَسْخُ مِنَ الأَْلْفَاظِ الصَّرِيحَةِ فِي الْخُلْعِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ

 هـ - الْمُبَارَأَةُ :

- الْمُبَارَأَةُ صِيغَةُ مُفَاعَلَةٍ تَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ فِي الْبَرَاءَةِ، وَهِيَ فِي الاِصْطِلاَحِ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْخُلْعِ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ وَهُوَ بَذْلُ الْمَرْأَةِ الْعِوَضَ عَلَى طَلاَقِهَا لَكِنَّهَا تَخْتَصُّ بِإِسْقَاطِ الْمَرْأَةِ عَنِ الزَّوْجِ حَقًّا لَهَا عَلَيْهِ. وَهِيَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَالْخُلْعِ كِلاَهُمَا يُسْقِطَانِ كُلَّ حَقٍّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الآْخَرِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالنِّكَاحِ كَالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ دُونَ الْمُسْتَقْبَلَةِ؛ لأِنَّ الْخُلْعَ يُنْبِئُ عَنِ الْفَصْلِ، وَمِنْهُ خَلْعُ النَّعْلِ وَخَلْعُ الْعَمَلِ وَهُوَ مُطْلَقٌ كَالْمُبَارَأَةِ فَيُعْمَلُ بِإِطْلاَقِهِمَا فِي النِّكَاحِ وَأَحْكَامِهِ وَحُقُوقِهِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لاَ يَسْقُطُ بِهِمَا إِلاَّ مَا سَمَّيَاهُ لأِنَّ هَذِهِ مُعَاوَضَةٌ، وَفِي الْمُعَاوَضَاتِ يُعْتَبَرُ الْمَشْرُوطُ لاَ غَيْرُهُ، وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَقَدْ وَافَقَ مُحَمَّدًا فِي الْخُلْعِ وَخَالَفَهُ فِي الْمُبَارَأَةِ، وَخَالَفَ أَبَا حَنِيفَةَ فِي الْخُلْعِ، وَوَافَقَهُ فِي الْمُبَارَأَةِ؛ لأِنَّ الْمُبَارَأَةَ مُفَاعَلَةٌ مِنَ الْبَرَاءَةِ فَتَقْتَضِيهَا مِنَ الْجَانِبَيْنِ، وَأَنَّهُ مُطْلَقٌ قَيَّدْنَاهُ بِحُقُوقِ النِّكَاحِ لِدَلاَلَةِ الْغَرَضِ، أَمَّا الْخُلْعُ فَمُقْتَضَاهُ الاِنْخِلاَعُ، وَقَدْ حَصَلَ فِي نَقْضِ النِّكَاحِ وَلاَ ضَرُورَةَ إِلَى انْقِطَاعِ الأَْحْكَامِ.

حَقِيقَةُ الْخُلْعِ :

- لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّ الْخُلْعَ إِذَا وَقَعَ بِلَفْظِ الطَّلاَقِ أَوْ نَوَى بِهِ الطَّلاَقَ فَهُوَ طَلاَقٌ وَإِنَّمَا الْخِلاَفُ بَيْنَهُمْ فِي وُقُوعِهِ بِغَيْرِ لَفْظِ الطَّلاَقِ وَلَمْ يَنْوِ بِهِ صَرِيحَ الطَّلاَقِ أَوْ كِنَايَتَهُ. فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْمُفْتَى بِهِ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّ الْخُلْعَ طَلاَقٌ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي أَشْهَرِ مَا يُرْوَى عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّهُ فَسْخٌ.

هَذَا وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْخُلْعَ طَلاَقٌ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الَّذِي يَقَعُ بِهِ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌلأِنَّ الزَّوْجَ مَلَكَ الْبَدَلَ عَلَيْهَا فَتَصِيرُ هِيَ بِمُقَابَلَتِهِ أَمْلَكَ لِنَفْسِهَا؛ وَلأِنَّ غَرَضَهَا مِنَ الْتِزَامِ الْبَدَلِ أَنْ تَتَخَلَّصَ مِنَ الزَّوْجِ وَلاَ يَحْصُلُ ذَلِكَ إِلاَّ بِوُقُوعِ الْبَيْنُونَةِ. إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ ذَكَرُوا أَنَّ الزَّوْجَ إِنْ نَوَى بِالْخُلْعِ ثَلاَثَ تَطْلِيقَاتٍ فَهِيَ ثَلاَثٌ، لأِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ، وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ عِنْدَ غَيْرِ زُفَرَ، وَعِنْدَهُ ثِنْتَانِ، كَمَا فِي لَفْظِ الْحُرْمَةِ وَالْبَيْنُونَةِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ.

وَالْخِلاَفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ تَمَامِ الْخُلْعِ لاَ قَبْلَهُ، وَسَبَبُ الْخِلاَفِ فِي كَوْنِ الْخُلْعِ طَلاَقًا أَوْ فَسْخًا، أَنَّ اقْتِرَانَ الْعِوَضِ فِيهِ هَلْ يُخْرِجُهُ مِنْ نَوْعِ فُرْقَةِ الطَّلاَقِ إِلَى نَوْعِ فُرْقَةِ الْفَسْخِ، أَوْ لاَ يُخْرِجُهُ.

احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ بِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : احْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ) الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ) ثُمَّ قَالَ: ) فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) ثُمَّ قَالَ: ) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) فَذَكَرَ تَطْلِيقَتَيْنِ، وَالْخُلْعَ، وَتَطْلِيقَةً بَعْدَهَا، فَلَوْ كَانَ الْخُلْعُ طَلاَقًا لَكَانَ أَرْبَعًا؛ وَلأِنَّهَا فُرْقَةٌ خَلَتْ عَنْ صَرِيحِ الطَّلاَقِ وَنِيَّتِهِ فَكَانَتْ فَسْخًا كَسَائِرِ الْفُسُوخِ.

وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما « أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ ».

وَبِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ « الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ رضي الله عنهما أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَوْ أُمِرَتْ أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ ».

وَوَجْهُ الاِسْتِدْلاَلِ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ الْخُلْعَ لَوْ كَانَ طَلاَقًا لَمْ يَقْتَصِرْ صلى الله عليه وسلم عَلَى الأَْمْرِ بِحَيْضَةٍ.

وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْخُلْعَ طَلاَقٌ بِأَنَّهُ لَفْظٌ لاَ يَمْلِكُهُ إِلاَّ الزَّوْجُ فَكَانَ طَلاَقًا، وَلَوْ كَانَ فَسْخًا لَمَا جَازَ عَلَى غَيْرِ الصَّدَاقِ كَالإِْقَالَةِ، لَكِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى جَوَازِهِ بِمَا قَلَّ وَكَثُرَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ طَلاَقٌ؛ وَلأِنَّ الْمَرْأَةَ إِنَّمَا بَذَلَتِ الْعِوَضَ لِلْفُرْقَةِ، وَالْفُرْقَةُ الَّتِي يَمْلِكُ الزَّوْجُ إِيقَاعَهَا هِيَ الطَّلاَقُ دُونَ الْفَسْخِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ طَلاَقًا؛ وَلأِنَّهُ أَتَى بِكِنَايَةِ الطَّلاَقِ قَاصِدًا فِرَاقَهَا، فَكَانَ طَلاَقًا كَغَيْرِ الْخُلْعِ مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلاَقِ.

وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهم مَوْقُوفًا عَلَيْهِمُ: الْخُلْعُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ، وَالْمَعْنَى فِيهِ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ النِّكَاحَ لاَ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ تَمَامِهِ.

وَالْخُلْعُ يَكُونُ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ فَيُجْعَلُ لَفْظُ الْخُلْعِ عِبَارَةً عَنْ رَفْعِ الْعَقْدِ فِي الْحَالِ مَجَازًا، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ بِالطَّلاَقِ، وَأَمَّا الآْيَةُ فَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى التَّطْلِيقَةَ الثَّالِثَةَ بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ، وَبِهَذَا لاَ يَصِيرُ الطَّلاَقُ أَرْبَعًا، وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما مِنْ خِلاَفٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ ثَبَتَ رُجُوعُهُ عَنْهُ.

وَيَتَفَرَّعُ عَلَى كَوْنِ الْخُلْعِ طَلاَقًا أَنَّهُ إِنْ نَوَى بِالْخُلْعِ أَكْثَر مِنْ تَطْلِيقَةٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَزُفَرَ يَقَعُ مَا نَوَاهُ.

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِنْ نَوَى ثَلاَثَ تَطْلِيقَاتٍ فَهِيَ ثَلاَثٌ، لأِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ، وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ عِنْدَ غَيْرِ زُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ؛ لأِنَّ الْخُلْعَ مَعْنَاهُ الْحُرْمَةُ، وَهِيَ لاَ تَحْتَمِلُ التَّعَدُّدَ لَكِنَّ نِيَّةَ الثَّلاَثِ تَدُلُّ عَلَى تَغْلِيظِ الْحُرْمَةِ فَتُعْتَبَرُ بَيْنُونَةً كُبْرَى.

وَيَتَفَرَّعُ عَلَى كَوْنِهِ فَسْخًا أَنَّهُ لَوْ خَالَعَهَا مَرَّتَيْنِ ثُمَّ خَالَعَهَا مَرَّةً أُخْرَى، أَوْ خَالَعَهَا بَعْدَ طَلْقَتَيْنِ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حَتَّى وَإِنْ خَالَعَهَا مِائَةَ مَرَّةٍ؛ لأِنَّ الْخُلْعَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لاَ يُحْتَسَبُ مِنَ الطَّلْقَاتِ.

وَاخْتَلَفَ الشَّافِعِيَّةُ فِيمَا إِذَا نَوَى بِالْخُلْعِ الطَّلاَقَ مَعَ تَفْرِيعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ فَسْخٌ هَلْ يَقَعُ الطَّلاَقُ أَوْ لاَ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.

- وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَوْنِ الْخُلْعِ مُعَاوَضَةً مِنْ جَانِبِ الزَّوْجَةِ دُونَ الزَّوْجِ، أَوْ مِنْهُمَا مَعًا، وَفِي كَوْنِهِ يَمِينًا مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ دُونَ الزَّوْجَةِ أَوْ مِنْهُمَا مَعًا ، فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ الْخُلْعَ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجَةِ مُعَاوَضَةٌ، وَمِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ يَمِينٌ، وَذَهَبَ الصَّاحِبَانِ إِلَى أَنَّهُ يَمِينٌ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى كَوْنِ الْخُلْعِ يَمِينًا مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْهُ قَبْلَ قَبُولِهَا، وَلاَ يَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ لَهُ، وَلاَ يَقْتَصِرُ عَلَى مَجْلِسِ الزَّوْجِ، فَلاَ يَبْطُلُ بِقِيَامِهِ، وَيَقْتَصِرُ قَبُولُهَا عَلَى مَجْلِسِ عِلْمِهَا، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى كَوْنِهِ مُعَاوَضَةً مِنْ جَانِبِهَا صِحَّةُ رُجُوعِهَا قَبْلَ قَبُولِهِ، وَصَحَّ شَرْطُ الْخِيَارِ لَهَا وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، وَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ كَالْبَيْعِ، وَيُشْتَرَطُ فِي قَبُولِهَا عِلْمُهَا بِمَعْنَاهُ؛ لأِنَّهُ مُعَاوَضَةٌ بِخِلاَفِ الطَّلاَقِ وَالْعَتَاقِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْخُلْعَ مُعَاوَضَةٌ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ ذَكَرُوا أَنَّ الْمُعَاوَضَةَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْخُلْعَ طَلاَقُ مُعَاوَضَةٍ فِيهَا شَوْبُ تَعْلِيقٍ لِتَوَقُّفِ وُقُوعِ الطَّلاَقِ فِيهِ عَلَى قَبُولِ الْمَالِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ فَسْخٌ فَهِيَ مُعَاوَضَةٌ مَحْضَةٌ لاَ مَدْخَلَ لِلتَّعْلِيقِ فِيهَا، فَيَكُونُ الْخُلْعُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَابْتِدَاءِ الْبَيْعِ، وَلِلزَّوْجِ الرُّجُوعُ قَبْلَ قَبُولِ الزَّوْجَةِ؛ لأِنَّ هَذَا شَأْنُ الْمُعَاوَضَاتِ.

وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّ الْعِوَضَ فِي الْخُلْعِ كَالْعِوَضِ فِي الصَّدَاقِ، وَالْبَيْعِ إِنْ كَانَ مَكِيلاً أَوْ مَوْزُونًا لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِ الزَّوْجِ، وَلَمْ يَمْلِكِ التَّصَرُّفَ فِيهِ إِلاَّ بِقَبْضِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمَا دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِمُجَرَّدِ الْخُلْعِ وَصَحَّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ :

- الْخُلْعُ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ سَوَاءٌ فِي حَالَةِ الْوِفَاقِ وَالشِّقَاقِ خِلاَفًا لاِبْنِ الْمُنْذِرِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يَصِحُّ الْخُلْعُ فِي حَالَتَيِ الشِّقَاقِ وَالْوِفَاقِ، ثُمَّ لاَ كَرَاهَةَ فِيهِ إِنْ جَرَى فِي حَالِ الشِّقَاقِ، أَوْ كَانَتْ تُكْرَهُ صُحْبَتُهُ لِسُوءِ خُلُقِهِ، أَوْ دِينِهِ، أَوْ تَحَرَّجَتْ مِنَ الإِْخْلاَلِ بِبَعْضِ حُقُوقِهِ، أَوْ ضَرَبَهَا تَأْدِيبًا فَافْتَدَتْ، وَأَلْحَقَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِهِ مَا إِذَا مَنَعَهَا نَفَقَةً أَوْ غَيْرَهَا فَافْتَدَتْ لِتَتَخَلَّصَ مِنْهُ، قَالَ الْقَلْيُوبِيُّ: فَإِنْ مَنَعَهَا النَّفَقَةَ لِكَيْ تَخْتَلِعَ مِنْهُ فَهُوَ مِنَ الإِْكْرَاهِ فَتَبِينُ مِنْهُ بِلاَ مَالٍ إِذَا ثَبَتَ الإِْكْرَاهُ، قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ. وَجَاءَ فِي مُغْنِي الْمُحْتَاجِ اسْتِثْنَاءُ حَالَتَيْنِ مِنَ الْكَرَاهَةِ: إِحْدَاهُمَا أَنْ يَخَافَا أَوْ أَحَدُهُمَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ أَيْ مَا افْتَرَضَهُ فِي النِّكَاحِ.

وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَحْلِفَ بِالطَّلاَقِ الثَّلاَثِ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْهُ كَالأَْكْلِ وَالشُّرْبِ وَقَضَاءِ الْحَاجَةِ، فَيَخْلَعَهَا، ثُمَّ يَفْعَلَ الأَْمْرَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا فَلاَ يَحْنَثُ لاِنْحِلاَلِ الْيَمِينِ بِالْفِعْلَةِ الأُْولَى، إِذْ لاَ يَتَنَاوَلُ إِلاَّ الْفِعْلَةَ الأُْولَى وَقَدْ حَصَلَتْ، فَإِنْ خَالَعَهَا وَلَمْ يَفْعَلِ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فَفِيهِ قَوْلاَنِ: أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ يَتَخَلَّصُ مِنَ الْحِنْثِ فَإِذَا فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بَعْدَ النِّكَاحِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لأِنَّهُ تَعْلِيقٌ سَبَقَ هَذَا النِّكَاحَ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ، كَمَا إِذَا عَلَّقَ الطَّلاَقَ قَبْلَ النِّكَاحِ عَلَى صِفَةٍ وُجِدَتْ بَعْدَهُ.

وَالْخِلاَفُ فِي كَوْنِ الْخُلْعِ جَائِزًا أَوْ مَكْرُوهًا إِنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ الْمُعَاوَضَةُ عَلَى الْعِصْمَةِ، كَمَا فِي حَاشِيَةِ الصَّاوِيِّ، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ طَلاَقًا فَهُوَ مَكْرُوهٌ بِالنَّظَرِ لأَِصْلِهِ أَوْ خِلاَفُ الأَْوْلَى، لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام : « أَبْغَضُ الْحَلاَلِ إِلَى اللَّهِ الطَّلاَقُ ».

وَاسْتَدَلُّوا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الأْمَّةِ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: ) فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ)وقوله تعالى  : ) فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا).

وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لَهُ: « اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً »وَهُوَ أَوَّلُ خُلْعٍ وَقَعَ فِي الإْسْلاَمِ.

وَأَمَّا الإْجْمَاعُ فَهُوَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَالأُْمَّةِ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ وَجَوَازِهِ.

وَاسْتَدَلُّوا مِنَ الْمَعْقُولِ بِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ حَقُّ الزَّوْجِ فَجَازَ لَهُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ كَالْقِصَاصِ.

- وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الْخُلْعَ عَلَى ثَلاَثَةِ أَضْرُبٍ:

الأْوَّلُ: مُبَاحُ الْخُلْعِ وَهُوَ أَنْ تَكْرَهَ الْمَرْأَةُ الْبَقَاءَ مَعَ زَوْجِهَا لِبُغْضِهَا إِيَّاهُ، وَتَخَافُ أَلاَّ تُؤَدِّيَ حَقَّهُ ، وَلاَ تُقِيمَ حُدُودَ اللَّهِ فِي طَاعَتِهِ، فَلَهَا أَنْ تَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ لقوله تعالى : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ)وَيُسَنُّ لِلزَّوْجِ إِجَابَتُهَا، لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: « جَاءَتِ امْرَأَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا أَنْقِمُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ وَلاَ خُلُقٍ إِلاَّ أَنِّي أَخَافُ الْكُفْرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : فَتَرُدِّي عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ فَقَالَتْ: نَعَمْ. فَرَدَّتْ عَلَيْهِ، وَأَمَرَهُ فَفَارَقَهَا »وَلأِنَّ حَاجَتَهَا دَاعِيَةٌ إِلَى فُرْقَتِهِ، وَلاَ تَصِلُ إِلَى الْفُرْقَةِ إِلاَّ بِبَذْلِ الْعِوَضِ فَأُبِيحَ لَهَا ذَلِكَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ لَهُ إِلَيْهَا مَيْلٌ وَمَحَبَّةٌ فَحِينَئِذٍ يُسْتَحَبُّ صَبْرُهَا وَعَدَمُ افْتِدَائِهَا، قَالَ أَحْمَدُ: يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَصْبِرَ. قَالَ الْقَاضِي: أَيْ عَلَى سَبِيلِ الاِسْتِحْبَابِ، وَلاَ كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ، لِنَصِّهِمْ عَلَى جَوَازِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.

الثَّانِي: مَكْرُوهٌ: كَمَا إِذَا خَالَعَتْهُ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ مَعَ اسْتِقَامَةِ الْحَالِ لِحَدِيثِ ثَوْبَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاَقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ »وَلأِنَّهُ عَبَثٌ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا، وَيَقَعُ الْخُلْعُ، لقوله تعالى : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا)وَيَحْتَمِلُ كَلاَمُ أَحْمَدَ تَحْرِيمَهُ وَبُطْلاَنَهُ؛ لأِنَّهُ قَالَ الْخُلْعُ مِثْلُ حَدِيثِ سَهْلَةَ تَكْرَهُ الرَّجُلَ فَتُعْطِيهِ الْمَهْرَ فَهَذَا الْخُلْعُوَوَجْهُ ذَلِكَ قوله تعالي : ( وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ).

الثَّالِثُ: مُحَرَّمٌ: كَمَا إِذَا عَضَلَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ بِأَذَاهُ لَهَا وَمَنْعِهَا حَقَّهَا ظُلْمًا لِتَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ لقوله تعالى : (وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ)فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ بِعِوَضٍ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ؛ لأِنَّهُ عِوَضٌ أُكْرِهَتْ عَلَى بَذْلِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَمْ يَسْتَحِقَّهُ وَيَقَعُ الطَّلاَقُ رَجْعِيًّا.

وَإِنْ خَالَعَهَا بِغَيْرِ لَفْظِ الطَّلاَقِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ طَلاَقٌ فَحُكْمُهُ مَا ذُكِرَ، وَإِلاَّ فَالزَّوْجِيَّةُ بِحَالِهَا، فَإِنْ أَدَّبَهَا لِتَرْكِهَا فَرْضًا أَوْ نُشُوزِهَا فَخَالَعَتْهُ لِذَلِكَ لَمْ يَحْرُمْ؛ لأِنَّهُ ضَرَبَهَا بِحَقٍّ، وَإِنْ زَنَتْ فَعَضَلَهَا لِتَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ جَازَ وَصَحَّ الْخُلْعُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ) وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) وَالاِسْتِثْنَاءُ مِنَ النَّهْيِ إِبَاحَةٌ. وَإِنْ ضَرَبَهَا ظُلْمًا لِغَيْرِ قَصْدِ أَخْذِ شَيْءٍ مِنْهَا فَخَالَعَتْهُ لِذَلِكَ صَحَّ الْخُلْعُ؛ لأِنَّهُ لَمْ يَعْضُلْهَا لِيَأْخُذَ مِمَّا آتَاهَا شَيْئًا.

وَذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ أَيْضًا أَنَّ الْخُلْعَ يَحْرُمُ حِيلَةً لإِسْقَاطِ يَمِينِ طَلاَقٍ، وَلاَ يَصِحُّ وَلاَ يَقَعُ؛ لأِنَّ الْحِيَلَ خِدَاعٌ لاَ تُحِلُّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ. هَذَا وَاخْتَارَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَدَمَ جَوَازِ الْخُلْعِ حَتَّى يَقَعَ الشِّقَاقُ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَتَمَسَّكَ بِظَاهِرِ قوله تعالي : ( إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ).

وَبِذَلِكَ قَالَ طَاوُسٌ وَالشَّعْبِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ. وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الطَّبَرِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا إِذَا لَمْ تَقُمْ بِحُقُوقِ الزَّوْجِ كَانَ ذَلِكَ مُقْتَضِيًا لِبُغْضِ الزَّوْجِ لَهَا فَنُسِبَتِ الْمَخَافَةُ إِلَيْهِمَا لِذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُ عَدَمَ اعْتِبَارِ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَسْتَفْسِرْ ثَابِتًا عَنْ كَرَاهَتِهِ لَهَا عِنْدَ إِعْلاَنِهَا بِالْكَرَاهَةِ لَهُ، عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْخَوْفِ فِي الآْيَةِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ؛ لأِنَّ الْغَالِبَ وُقُوعُ الْخُلْعِ فِي حَالَةِ التَّشَاجُرِ؛ وَلأِنَّهُ إِذَا جَازَ حَالَةَ الْخَوْفِ وَهِيَ مُضْطَرَّةٌ إِلَى بَذْلِ الْمَالِ فَفِي حَالَةِ الرِّضَا أَوْلَى.

وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ - عَلَى الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ - بِأَنَّهَا إِذَا خَالَعَتْهُ دَرْءًا لِضَرَرِهِ فَإِنَّ الزَّوْجَ يَرُدُّ الْمَالَ الَّذِي خَالَعَهَا بِهِ، وَلَوْ كَانَتْ قَدْ أَسْقَطَتِ الْبَيِّنَةَ الَّتِي أَشْهَدَتْهَا بِأَنَّهَا خَالَعَتْهُ لِدَرْءِ ضَرَرِهِ.

جَوَازُ أَخْذِ الْعِوَضِ مِنَ الْمَرْأَةِ :

ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى جَوَازِ أَخْذِ الزَّوْجِ عِوَضًا مِنَ امْرَأَتِهِ فِي مُقَابِلِ فِرَاقِهِ لَهَا سَوَاءٌ كَانَ الْعِوَضُ مُسَاوِيًا لِمَا أَعْطَاهَا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ مَا دَامَ الطَّرَفَانِ قَدْ تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْعِوَضُ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْعِوَضُ نَفْسَ الصَّدَاقِ أَوْ مَالاً آخَرَ غَيْرَهُ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الزَّوْجَ لاَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الأَْخْذُ إِنْ عَضَلَهَا لِيَضْطَرَّهَا إِلَى الْفِدَاءِ.

وَفَصَّلَ الْحَنَفِيَّةُ فَقَالُوا: إِنْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ كُرِهَ لَهُ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهَا، لقوله تعالى : (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا). وَلأِنَّهُ أَوْحَشَهَا بِالْفِرَاقِ فَلاَ يَزِيدُ إِيحَاشَهَا بِأَخْذِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ لاَ يُكْرَهُ لَهُ الأَْخْذُ، وَهَذَا بِإِطْلاَقِهِ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، لقوله تعالى : (فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ). وَقَالَ الْقُدُورِيُّ: إِنْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْهَا كُرِهَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الأَْصْلِ (مِنْ كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم « فِي امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ: أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلاَ ». وَقَدْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْهَا، وَلَوْ أَخَذَ الزِّيَادَةَ جَازَ فِي الْقَضَاءِ، وَكَذَلِكَ إِذَا أَخَذَ وَالنُّشُوزُ مِنْهُ؛ لأِنَّ مُقْتَضَى مَا ذُكِرَ يَتَنَاوَلُ الْجَوَازَ وَالإِْبَاحَةَ، وَقَدْ تَرَكَ الْعَمَلَ فِي حَقِّ الإِْبَاحَةِ لِمُعَارِضٍ، فَبَقِيَ مَعْمُولاً فِي الْبَاقِي.

والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم

مركز الراية للدراسات القانونية