نشر بتاريخ : 2022-05-26
تنص المادة 32 من القانون رقم 182 لسنة 1960 الصادر في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والإتجار فيها وتعديلاته، على أن:
"للوزير المختص بقرار يصدره أن يعدل في الجداول الملحقة بهذا القانون بالحذف وبالإضافة أو بتغيير النسب الواردة فيها ."
ولا يزال الفقهاء في مصر يوجهون سهام النقد إلى هذا النص والطعن بعدم دستوريته لما يتضمنه صراحةً من تفويض (تخويل) الوزير المختص بتعديل الجداول الملحقة بقانون المخدرات بالحذف أو بالإضافة أو بتغيير النسب الواردة فيها، الأمر الذي يعني منح الوزير المختص بمجرد قرار منه سلطة تجريم أفعال قد تصل عقوبتها إلى الإعدام، ولم تكن خاضعة للتجريم قبل هذا القرار، الأمر الذي يتنافى مع النصوص المتعاقبة للدساتير المصرية وآخرها دستور 2014 والتي تنص على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون. (راجع سيادتكم مشكوراً على سبيل المثال: شرح قانون مكافحة المخدرات، الدكتورة/ فوزية عبد الستار – الطبعة الثالثة 2017 – دار النهضة العربية – الصفحة 10).
وحين عُرض هذا الأمر على المحكمة الدستورية العليا رفضته استناداً على أن النص الدستوري لم يستلزم صدور قانون بالتجريم أو بفرض عقوبة وإنما اكتفى بأن يكون التجريم صادراً بناءً على قانون، أي بناءً على تفويض من المشرع للسلطة التنفيذية مما يخرج نص المادة 32 من دائرة الطعن بعدم الدستورية. (راجع سيادتكم مشكوراً حكم المحكمة الدستورية العليا في الطعن رقم 15 لسنة 1 قضائية "دستورية" الصادر في تاريخ 9 مايو 1981).
وبعيداً عن تقديرنا لحكم المحكمة الدستورية العليا المشار إليه، ومدى الحاجة إلى إعادة النظر في الصياغة القائمة لنص المادة 32 من قانون المخدرات، لتتوافق مع روح الدستور وتتناسق مع المنظومة التشريعية المصرية والتي تكتفي بمنح السلطة التنفيذية سواء بقرارات وزارية فردية أو لائحية سلطة التجريم في نطاق المخالفات وعقوبة الغرامة فقط مع فرض حد أقصى لهذه الغرامة.
وإذ نؤكد على تثمين دور الدولة ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية في محاربة كل أشكال وصور استعمال المخدرات والاتجار فيها بغير ترخيص يصدر عن السلطة المختصة، إلا أن أُطروحتنا هذه تهدف إلى تحصين إجراءات الدولة وقوانينها وقراراتها من أي عوار قد يلحق بها لمخالفتها للدستور وللقانون، ويؤدي بالتالي إلى إفلات المجرمين من العقاب على الرغم من سعيهم في الأرض فساداً وإفساداً للحرث والنسل، وإضعافاً وإضراراً للأجيال المتعاقبة وللدولة ذاتها اقتصادياً وإجتماعياً.
إلا أنه قد صدرت مؤخراً عدة قرارات عن هيئة الدواء المصرية متضمنةً إضافة بعض المواد والمجموعات ومشتقاتها ونظائرها إلى الجداول الملحقة بقانون المخدرات، الأمر الذي يعني مرة أخرى قيام هيئة الدواء المصرية بقرار منها بتجريم أفعال قد تصل عقوبتها إلى الإعدام ولم تكن محلاً للتجريم فيما قبل هذه القرارات، الأمر الذي يستدعي البحث في مدى اختصاص تلك الهيئة بإصدار هذه القرارات الخطيرة جداً، ومدى قانونيتها ودستوريتها. (راجع سيادتكم مشكوراً القرارات الصادرة عن هيئة الدواء المصرية أرقام: 442 لسنة 2021، 443 لسنة 2021، 444 لسنة 2021، 481 لسنة 2021، 272 لسنة 2022 المنشورة في الوقائع المصرية في 3/9 / 3/10، 11/10، 9/11 سنة 2021 و 23/5/2022 على الترتيب).
وبالرجوع إلى ديباجة القرارات المذكورة ذاتها يتبين أن الهيئة قد استندت في إصدارها إلى القوانين التالية:
قانون مزاولة مهنة الصيدلة رقم 127 لسنة 1955.
قانون مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والإتجار فيها وتعديلاته رقم 182 لسنة 1960.
قانون إنشاء هيئة الدواء المصرية رقم 151 لسنة 2019 ولائحته التنفيذية.
إلا أنه بالرجوع إلى تلك القوانين يتبين ما يلي:
أن قانون مزاولة مهنة الصيدلة قد عهد إلى وزارة الصحة والسكان ووزير الصحة بمهام تطبيق وتنفيذ هذا القانون وإصدار القرارات والتراخيص المتعلقة به.
أن قانون مكافحة المخدرات قد عهد إلى الوزير المختص وحده وليس إلى غيره، بمهام تعديل الجداول الملحقة به بالحذف أو الإضافة أو تعديل النسب.
أن قانون إنشاء هيئة الدواء المصرية رقم 151 لسنة 2019 نفسه قد نص في الفقرة الثانية من المادة الثانية من مواد إصداره على اقتصار حلول هيئة الدواء المصرية محل وزارة الصحة والسكان، وحلول رئيس مجلس إدارة الهيئة محل وزير الصحة في الاختصاصات المنصوص عليها في قانون مزاولة مهنة الصيدلة رقم 127 لسنة 1955 فقط، وليست كل الاختصاصات بل فقط تلك المتعلقة منها بتنظيم تسجيل وتداول ورقابة المستحضرات والمستلزمات الخاضعة لهذا القانون، وهذا الحلول وإن كان يُغطي اختصاص الهيئة بمنع تداول أي من المستحضرات الطبية إلا أن ذلك لا يعني اختصاص الهيئة بإدراج هذا المستحضر ضمن الجداول التي عدها المشرع محلاً للتجريم والعقاب في قانون المخدرات.
الأمر الذي يُظهر عدم وجود أساس قانوني لحلول هيئة الدواء المصرية محل وزير الصحة في تطبيق المادة 32 من قانون المخدرات، وبالتالي فإنه لا يجوز للهيئة مطلقاً أن تصدر قرارات بتعديل الجداول الملحقة بهذا القانون لا بالإضافة ولا بالحذف كما لا يجوز لها التدخل بتغيير النسب الواردة في تلك الجداول بالزيادة أو النقصان لمخالفة ذلك لقانون إنشاء الهيئة ذاته ولقانون المخدرات، وللدستور الذي وإن أجاز أن يصدر التجريم بناءً على قانون كما في المادة 32 من قانون المخدرات إلا أنه لا يجوز للوزير المختص أن يعهد إلى غيره بتلك السلطة وإلا لأمكن أن تصل سلطة التجريم والعقاب إلى أدنى الوظائف الإدارية وهو ما يُعد إهداراً لنصوص الدستور والقانون وافتئاتاً على حقوق الناس وحرياتهم.
وبناءً على ما سبق نرى أنه يتعين إجراء تعديل تشريعي، نأمل أن يتضمن إلغاءً صريحاً للمادة 32 من قانون المخدرات، أو إلى تحديد اختصاصات الوزير المختص في نطاق المخالفات والغرامات ذات الحد الأقصى الذي يقرره المشرع واسترداد المشرع لسلطته كاملة في التجريم والعقاب فيما يتعلق بقانون المخدرات.
وإن لم تكن التعديلات المقترحة السابقة ممكنة أو كان لدى المشرع ما يبرر الإبقاء على نص المادة 32 بما لها وما عليها، إلا أنه يتوجب تعديل المادة الثانية من مواد الإصدار للقانون رقم 151 لسنة 2019 الصادر بإنشاء هيئة الدواء المصرية، لتنص صراحة على حلول هيئة الدواء المصرية محل الوزير المختص في تطبيق أحكام القانون رقم 182 لسنة 1960 الصادر في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والإتجار فيها وتعديلاته، أو استبدال عبارة "هيئة الدواء المصرية" بعبارة الوزير المختص في قانون المخدرات.
مركز الراية للدراسات القانونية